آية لم يعمل بها أحد سوى الامام علي، ولن يعمل بها أحد غيره الى يوم القيامة!
{يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم} (المجادلة 12). التي عمل بها الامام علي ولم يعمل بها أحد غيره، حتى نسخها الله تعالى بالآية التالية: {ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون} (المجادلة: 13).
وقد اختلف المفسرون والفقهاء القدماء والمحدثون حول وجود النسخ في القرآن الكريم من عدمه، بناء على الآيات التي قد توحي بذلك، مثل:”ما يود الذين كفروا من اهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها او مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير”. البقرة ١٠٦
“واذا بدلنا آية مكان آية، والله اعلم بما ينزل، قالوا انما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون، قل نزله روح القدس من ربك ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين. ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون اليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين، ان الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم، انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله” النحل ١٠١ -١٠٥
وقال الشيخ الازهري محمد محمود ندا : (النسخ في القرآن بين المؤيدين والمعارضين): “لا يوجد آية معطلة الحكم في كتاب الله الحكيم، لأن آراء القائلين بالنسخ انما هي آراء احتمالية، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، ثم انها اقوال متضاربة، ومع التضارب لا يسلم الدليل من الطعن.
واذا كان بعض القرآن لا ينسخ ببعضه الآخر، فان ما يقال عن نسخ السنة للقرآن أو نسخ القرآن بالاجماع انما هو كلام ساقط من الاعتبار”.
ص ٩
وكان أبو جعفر النحاس، قد وصل في كتابه (الناسخ والمنسوخ) بالآيات المنسوخة الى ١٣٤ آية
وابن حزم وصل بها الى ٢١٤
وابن الجوزي الى ١٤٧
بينما هبط السيوطي بها الى عشرين آية، فقط
اما الدكتور مصطفى زيد فقد نزل بها الى خمس وقائع اشتملت عليها ست آيات:
وأضاف ندا : ان الدكتور مصطفى زيد قام في عصرنا بأوفى بحث دقيق وعميق في موضوع الناسخ والمنسوخ، أن بالقرآن خمسا وخمسين آية مما قيل بنسخها، وقد بطلت دعوة النسخ عليها لأنها أخبار، والأخبار لا تنسخ… وثلاثا وستين آية ادعي عليها النسخ خطأ بآية السيف، مع انها جميعا محكمة. و٤٨ انما هي التخصيص بأنواعه أو التقييد او التفسير أو التفصيل
و… و٦٣ آية لم تصح دعوى النسخ عليها لعدم التعارض بينها وبين نواسخها
وبدلا من ان ينتهي مصطفى زيد من بحثه القيم الى نتيجته الطبيعية وهي أن لا نسخ في القرآن، اختار ان يقرر وجود النسخ في ست آيات تشير الى خمس وقائع جرى فيها النسخ”.
وتوقف الشيخ محمود ندا عند آية ( يا أيها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة..) فقال: “يكاد يجمع المفسرون على أن هذه الآية منسوخة بالآية التي تليها: أأشفقتم أن تقدموا بين نجواكم صدقات فاذ لم تفعلوا…قال الزرقاني:: وقيل لا نسخ، بحجة أن الآية الثانية بيان للصدقة المأمور بها في الأولى،وانه يصح ان تكون الصدقة غير مالية من إقامة الصلاة وايتا الزكاة وطاعة الله ورسوله، وقال الشيخ محمد الخضري: الآية الأولى تحتم تقديم الصدقات بين يدي النجوى، والثانية ترفع ذلك التحتيم من غير تصريح بالرفع.
وفسر (الآية) الواردة في آيات النسخ، بالمعاجز، وليس آيات القرآن
وأما السيد أبو القاسم الخوئي فقد ذهب الى عدم وجود النسخ في القرآن بصورة واسعة، وانما فقط في عدد قليل من الآيات، ومنها آية (النجوى) وقال : قد استفاضت الروايات من الطريقين: أن الآية المباركة لما نزلت لم يعمل بها غير علي (عليه السلام) فكان له دينار فباعه بعشرة دراهم، فكان كلما ناجى الرسول (صلى الله عليه وآله) قدم درهما حتى ناجاه عشر مرات.
أحاديث العمل بآية النجوى:
روى ابن بابويه بإسناده عن مكحول قال:”قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): لقد علم المستحفظون من أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أنه ليس فيهم رجل له منقبة إلا قد شركته فيها وفضلته، ولي سبعون منقبة لم يشركني أحد منهم، … فان الله عزوجل أنزل على رسوله: {اذا ناجيتم} فكان لي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت إذا ناجيت رسول الله أتصدق قبل ذلك بدرهم، والله ما فعل هذا أحد غيري من أصحابه قبلي ولا بعدي فأنزل الله عزوجل: {أءاشفقتم…} ((1) بحار الأنوار: 17 / 29، باب 14، رقم الحديث: 6. راجع تفسير البرهان: 2 / 1099).
وروى ابن جرير بإسناده عن مجاهد قال:”قال علي (رضي الله عنه): آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة
دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي(صلى الله عليه وآله) تصدقت بدرهم، فنسخت فلم يعمل بها أحد قبلي: إذا ناجيتم”( تفسير الطبري: 28 / 15).
قال الشوكاني: وأخرج عبدالرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي خاتم، وابن مردويه عنه – علي بن أبي طالب – قال:”ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت، وما كانت إلا ساعة يعني آية النجوى”.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن راهويه، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه أيضا قال:
“إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى: {إذا ناجيتم…} كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت كلما ناجيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدمت بين يدي نجواي درهما، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد، فنزلت: {ءأشفقتم…}( فتح القدير: 5 / 186).
وتحقيق القول في ذلك:
أن الآية المباركة دلت على أن تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول (صلى الله عليه وآله) خير، وتطهير للنفوس، والأمر به أمر بما فيه مصلحة العباد. ودلت على أن هذا الحكم إنما يتوجه على من يجد ما يتصدق به، أما من لا يجد شيئا فإن الله غفور رحيم.
ولا ريب في أن ذلك مما يستقل العقل بحسنه ويحكم الوجدان بصحته فان في الحكم المذكور نفعا للفقراء، لأنهم المستحقون للصدقات، وفيه تخفيف عن النبي (صلى الله عليه وآله) فانه يوجب قلة مناجاته من الناس، وأنه لا يقدم على مناجاته – بعد هذا الحكم – إلا من كان حبه لمناجاة الرسول أكثر من حبه للمال.
ولا ريب أيضا في أن حسن ذلك لا يختص بوقت دون وقت. ودلت الآية الثانية على أن عامة المسلمين ـ غير علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ أعرضوا عن مناجاة الرسول(صلى الله عليه وآله) إشفاقا من الصدقة، وحرصا على المال.
سبب نسخ صدقة النجوى:
ولا ريب في أن إعراضهم عن المناجاة يفوت عليهم كثيرا من المنافع والمصالح العامة. ومن أجل حفظ تلك المنافع رفع الله عنهم وجوب الصدقة بين يدي المناجاة تقديما للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وعلى النفع الخاص بالفقراء، وأمرهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الله ورسوله.
وعلى ذلك فلا مناص من الالتزام بالنسخ، وأن الحكم المجعول بالآية الأولى قد نسخ وارتفع بالآية الثانية. ويكون هذا من القسم الأول من نسخ الكتاب – أعني ما كانت الآية الناسخة ناظرة إلى انتهاء أمد الحكم المذكور في الآية المنسوخة – ومع ذلك فنسخ الحكم المذكور في الآية الأولى ليس من جهة اختصاص المصلحة التي اقتضت جعله بزمان دون زمان إذ قد عرفت أنها عامة لجميع أزمنة حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) … فنسخ الوجوب وأبدل الحكم بالترخيص.
حكمة تشريع صدقة النجوى:
وهذا الذي ذكرناه يقتضيه ظاهر الكتاب، وتدل عليه أكثر الروايات. وأما إذا كان الأمر بتقديم الصدقة بين يدي النجوى أمرا صوريا امتحانيا – كأمر إبراهيم بذبح ولده – فالآية الثانية لا تكون ناسخة للآية الأولى نسخا اصطلاحيا، بل يصدق على رفع ذلك الحكم الامتحاني: النسخ بالمعنى اللغوي:
ونقل الرازي عن أبي مسلم: أنه جزم بكون الأمر امتحانيا، لتمييز من آمن إيمانا
حقيقيا عمن بقي على نفاقه فلا نسخ. وقال الرازي في تفسيره: “وهذا الكلام حسن ما به بأس” .
وكيف كان فلا ريب في أن الحكم المذكور لم يبق إلا زمنا يسيرا ثم ارتفع، ولم يعمل به أحد غير أميرالمؤمنين (عليه السلام) وبذلك ظهر فضله، سواء أكان الأمر حقيقيا أم كان امتحانيا.
وقد اعتذر الرازي عن ترك شيوخ الصحابة العمل بالآية المباركة، إذا كانوا قد وجدوا الوقت لذلك ولم يفعلوا، فقال ما نصه:”…هذه المناجاة ليست من الواجبات، ولا من الطاعات المندوبة، بل قد بينا أنهم إنما كانوا كلفوا بهذه الصدقة ليتركوا هذه المناجاة، لوما كان الأولى بهذه المناجاة أن تكون متروكة لم يكن تركها سببا للطعن”( تفسير الرازي: 8 / 167).
وقد روي عن ابن عمر: كان لعلي (رضي الله عنه) ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه فاطمة (رضي الله عنها)، وإعطاوه الراية يوم خيبر، وآية النجوى، وهل يقول منصف: إن مناجاة النبي (صلى الله عليه وآله) نقيصة، على أنه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة، وإنما ورد تقديم الصدقة على المناجاة فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين: سد خلة بعض الفقراء، ومن جهة محبة نجوى الرسول (صلى الله عليه وآله) ففيها القرب منه، وحل المسائل العويصة، وإظهار أن نجواه أحب إلى المناجي من المال.