كيف ومتى تحول الشيعة من حزب سياسي حي الى طائفة منغلقة وميتة؟

Uncategorized

 شهد القرن الثاني الهجري ولادة عدد من الحركات السياسية الثورية المعارضة للأمويين ومن بعدهم العباسيين، كما شهد أيضا ولادة عدد من المدارس الفكرية كالمعتزلة، والفقهية، كالجعفرية والحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية (في بداية القرن الثالث).

وبينما كانت الحركات السياسية تشكل أحزابا شعبية معارضة تنتشر في المجتمع الاسلامي بلا حدود، فان المدارس الفقهية كانت، في البداية، تقتصر على أئمة المذاهب ونخب من تلامذتهم، ولم تكن تشكل حركات جماهيرية واسعة، أو تحمل هوية طائفية لفئات كبيرة من المجتمع، إلا بقدر ما كانت تمتزج بالحركات السياسية، كالمعتزلة والجعفرية والحنفية.

وربما كانت بعض المدن والمناطق، مثلا تشتهر تاريخيا، بلون سياسي معين كالميل الى الأمويين (في الشام) أو العلويين (في الكوفة) ولكنها لم تكن تنحصر في إطار طائفي، كما  حدث في ما بعد.

وقد بدأ “التطوؤوف” (أو التحول الى طائفة) يأخذ مجراه على خطين: خط الصراع السياسي بين العلويين والعباسيين، وخط المدارس الفقهية، وذلك بعد فقدان الحركات السياسية لروحها الحيوية والابتعاد عن شعاراتها الأولية (كالعدل وتطبيق الشريعة) إما بالوصول الى السلطة والتحول الى أنظمة سياسية مستبدة، وإما بالتطرف والغلو تجاه أئمة المعارضة، الأحياء منهم والأموات.

هذا من جهة ومن جهة أخرى بدأ “التطوؤوف” في صفوف المدارس الفقهية، يسمها بالجمود والابتعاد عن الاجتهاد، واعتماد التقليد، والانغماس في المصالح المادية التي توفرها وظائف الدولة كالقضاء والإفتاء وإدارة المدارس وإمامة الجمعة والجماعة وما الى ذلك، في ظل الأنظمة المختلفة التي كانت تتبنى هذا المذهب يوما وذاك في يوم آخر.

تحول الشيعة من حركة ثورية الى طائفة مغلقة

إن الوقوف في صفوف المعارضة لفترة طويلة يؤدي عادة الى انفصال الحركة المعارضة عن التيار العام للدولة والمجتمع، ولا سيما في ظل الأنظمة المستبدة التي لا تعرف غير لغة القمع والقتل والارهاب، وهو ما يدفع المعارضة الى السرية والكتمان والابتعاد عن مراكز الدولة وأنديتها، والى استخدام خطاب عنيف وتكفيري أحيانا ضد كل من يشايع النظام الحاكم، وإذا مرَّ على الحركة جيل أو جيلان أو ثلاثة، فان الأبناء والأحفاد يفتقدون عادة الأهداف والمحركات والشعارات الثورية الأولى ويصبحون أشبه بقبيلة لا تحتفظ سوى بالأسماء والعناوين والطقوس والعواطف .

وهذا ما حصل مع الحركة الشيعية في القرون اللاحقة، علما بأن الشيعة لم يكونوا تيارا واحدا وذوي مسيرة واحدة. وقد كانت هناك حركات عديدة  تولد من رحم المعاناة والصراعات والظروف المختلفة، ولكنها بصورة عامة كانت تفتر وتذبل أحيانا ، وتنطوي على نفسها، وتتشعب، وتتصارع فيما بينها أيضا، وتتطرف وتغلو في أئمتها أحيانا أخرى.

وقد بلغ الغلو ببعض الحركات الشيعية الى إدعاء الألوهية أو النبوة أو العصمة والقداسة للأئمة، وادعاء مشاركة الله تعالى في إدارة الكون والرزق والحياة والموت والحساب بالنيابة عنه، كما ادعى ذلك الغلاة السبئية، والخطابية، والمفوضة، وغيرهم.

وبالرغم من استنكار بقية الشيعة المعتدلين لتلك المزاعم وتبرؤهم منها ومن الغلاة وتكفيرهم لهم، الا أن الاشاعات كانت تلوثهم، والاتهامات كانت تطال الأبرياء منهم أيضا، فتبني جدرانا عازلة حولهم، تفصل بينهم وبين جماهير الأمة، وتزرع الأحقاد والعداوات ضدهم.

وهكذا كان مفهوم الشيعة يتحول بهم من حركة ثورية تعمل من أجل عموم الأمة وتطالب بالعدالة لها، الى حركة طائفية منعزلة ميتة  تقف في مواجهة الأمة.

وقد كانت الحركة “العباسية” في بدايتها فصيلا من الحركة الشيعية العريضة.[1] ثم افترقت عنها بعدما سيطرت على السلطة عام 132، واستلمت الحركة “الزيدية” راية المعارضة لها، حتى استولت على بعض المناطق هنا وهناك، بينما مال الجناح “الجعفري” الى الهدوء والموادعة والتفرغ لتأسيس المذهب الفقهي “الجعفري”.

ثم انبثق عن الجناح الجعفري فصيل آخر هو الفصيل “الإسماعيلي” الذي نجح في تأسيس الدولة الفاطمية في أواخر القرن الثالث الهجري، في الوقت الذي كان الجناح “الاثنا عشري” يتلاشى سياسيا ليغدو مجرد نظرية دينية تاريخية وفقهية.

وبينما كان أتباع هذا الجناح يعادون أبناء عمومتهم “الفاطميين” في القرن الرابع الهجري، ويقتربون من “العباسيين” أعدائهم التاريخيين، فإنَّهم كانوا أيضا يعتاشون على تراث قديم من الاتهامات والاشاعات والأحقاد والضغائن الموروثة من القرن الثاني، حيث كانوا يواصلون تطرفهم ضد الشيخين والصحابة، و هو ما كان يحمل ملامح الغلو تجاه الأئمة (غير الموجودين ظاهراً في الساحة). أي إنَّ هذا الجناح كان يخوض في ذيول معركة بائدة حول من هو أحق بالخلافة، في الوقت الذي لم يكن يملك إماما (ظاهراً) ينافس العباسيين أو الفاطميين.

محورية أئمة أهل البيت في الحركة الشيعية

  ولو عدنا قليلا الى الوراء لشاهدنا تميز الحركات الشيعية عن الخوارج بارتباطها بأهل البيت، بصورة عامة، ليس بسبب وجود النص على هذا الامام أو ذاك، بقدر ما كان أهل البيت يتمتعون به من احترام وتقدير وتعاطف وحب وولاء في قلوب الأمة، إضافة الى عصبيتهم القوية في مواجهة الأمويين ثم العباسيين، وعدم تمتع قيادات ثورية من خارج إطارهم بتلك المنزلة الاجتماعية والدينية .

ولذلك فقد شكل “أهل البيت” محورا لازما للتشيع والحركات الشيعية، حتى بدا كأن العمل من أجل إعادة السلطة إلى أهل البيت هدفا أوليا لدى بعض الشيعة، يسبق شعارات العدل ورفع الظلم عن عامة المسلمين.

ولئن كان “أهل البيت” قد انقسموا وتشعبوا، فقد ظلوا يشكلون محوراً لكثير من الحركات الشيعية.

ولم يكن “الزيدية” يجدون مشكلة كبيرة عند فقد إمام من أئمتهم، حيث كانوا يلتفون حول أي قائد آخر من سلالة الحسن أو الحسين، بينما كان “الاثنا عشريون” يعانون معاناة كبيرة قاتلة لأنهم كانوا يشترطون التوارث العمودي في البيت الحسيني، وعندما كان يتوفى أحد الأئمة من هذه السلالة ويخلف طفلا صغيرا (كما حدث بعد وفاة الرضا والجواد) كانوا يصابون بالحيرة والارتباك، لعدم قدرة الصبي على قيادتهم.

وعندما توفي الحسن العسكري سنة 260 دون أن يخلف ولدا ظاهرا، وقعت الفرقة “الاثنا عشرية” في أزمة كبيرة، بالرغم من اعتقادها بوجود ولد مستور وغائب، وأصيبت بالانعزال والتهميش، ولم تستطع أن تتفاعل مع القيادات العلوية الناشطة يومذاك،   كما لم يعترفوا بالدولة الفاطمية الوليدة (295-557هـ).  

 عوامل تشكل الطائفة الشيعية

ربما كان الشيعة “الإثنا عشرية” أول من تحول إلى طائفة، قبل بقية الفصائل الشيعية (الزيدية والإسماعيلية) التي كانت تسعى الى الحكم أو تمارسه فعلا، وذلك لفقدانهم المشروع السياسي، واضطرارهم إلى الالتزام “بالتقية”، أي عدم الانخراط في أي مشروع ثوري أو سياسي، انتظاراً لخروج الإمام الثاني عشر “محمد بن الحسن العسكري” الذي كانوا يعتقدون بولادته واختبائه منذ منتصف القرن الثالث الهجري سنة 260 .

وهكذا تحول الشيعة “الإثنا عشرية” من حزب سياسي حيوي إلى طائفة جامدة في مقابل الطوائف الفقهية الأخرى كالحنابلة والأحناف والشوافع، يمتازون فقط بالالتزام بفقه الامام جعفر الصادق، ويعتنقون نظرية “الإمامة” القائمة على العصمة والنص، وينتظرون خروج “الإمام المهدي” لكي يقيم دولتهم.

وهكذا استبدلوا الشعارات الثورية القديمة (العدل والشورى) ببعض الطقوس التي اخترعوها في أواسط القرن الرابع في ظل البويهيين، كطقس الاحتفال بيوم “الغدير” في الثامن عشر من ذي الحجة، في ذكرى تنصيب النبي الامام علي خليفة على المسلمين عند غدير خم كما يعتقدون، وطقس مواكب العزاء الحزينة في ذكرى عاشوراء يوم مقتل الامام الحسين، في بعض المحلات الخاصة للشيعة في جانب الكرخ ببغداد. وما رافق ذلك من تعطيل لدوائر الدولة، وإغلاق الاسواق.

  كما ترافق ذلك مع نمو ظاهرة الغلو عند الشيعة بحق الأئمة، تدريجيا.

وساهمت الاختلافات الفقهية البسيطة بين السُنَّة والشيعة مثل طريقة الوضوء أو التكتف والإسبال في الصلاة، أو طريقة الأذان، أو تحديد أوائل الشهور القمرية والأعياد، بالاضافة الى الإحتفال بعاشوراء، في تكريس الاختلاف الطائفي وتكوين الهوية الشيعية. كان عمر بن الخطاب قد حذف “حي على خير العمل” من الأذان، وأضاف اليه: “الصلاة خير من النوم”، فأصبحت هذه الفقرة شعارا لأهل السنة، فيما أتخذ الشيعة الفقرة المحذوفة شعارا لهم، ثم أضاف الغلاة المفوضة فقرة أخرى هي: “أشهد أن عليا ولي الله”، كما يقول الصدوق، وأضافوا اليها بعد ذلك: “وأشهد أن أولاده المعصومين حجج الله”. وقد أحيى الصفويون  هذه البدعة، وقام الشاه ناصر الدين في زيارته الى كربلاء نهاية القرن التاسع عشر، باجبار مؤذن ضريح الامام الحسين على إعادة الأذان وإضافة “أشهد أن عليا ولي الله”.    

كيف انطوى الشيعة  الامامية على أنفسهم وأصبحوا طائفة؟

نستعرض فيما يلي بعض المواقف أو التعليمات والوصايا التي رافقت مسيرة الشيعة الإمامية خلال انطلاقتها في القرن الثاني الهجري، والتي ساهمت بتحولهم من حزب سياسي يعمل من أجل الإصلاح في الأمة الإسلامية ونشر الحق والعدالة لعموم المسلمين، إلى طائفة منغلقة على نفسها، ومنفصلة عن بقية المسلمين، في القرون التالية:

 1- المقاطعة النفسية والفكرية: التكفير واللعن

    فقد أدى الغلو بالأئمة، ورفع أمر “الإمامة” إلى مستوى العقيدة والعبادات الضرورية في الإسلام، إلى اعتبار “الولاء” للأئمة الحسينيين، شرطا للهدى والتقوى والإخلاص، واتهام من لا يؤمن بولايتهم بالضلال والشرك، ورسم صورة سلبية “لأعداء” أئمة أهل البيت وشيعتهم، وخصومهم.[2]

وحسبما ينقل الكليني في “الكافي” عن الإمام جعفر الصادق، فإن ثمة فرقا بين الإسلام والإيمان، وأن  من لم يعرف ولاية أهل البيت أو لم يعرف واحدا من الأئمة، كان ضالا.[3]  أو مشركا. [4]  أو كافرا. [5]  

وانطلاقا من ذلك، فقد اتخذ الفكر “الإمامي” موقفا سلبيا من الصحابة الذين لم يتبعوا عليا بعد وفاة رسول الله (ص) مباشرة.[6]  واتهم عامة الناس بالردة بعد النبي (ص) إلا ثلاثة .. المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري و سلمان الفارسي.[7] 

وروى الكليني عن محمد الباقر أنه قال:” كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها… ومن أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهرا عادلا أصبح ضالا تائها وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق، وإن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال البعيد”.[8] ونسب إلى الصادق، حديثا يعتبر فيه أتباع الأنظمة والأحزاب المنافسة لأهل البيت مشركين.[9]  

التطرف ضد الصحابة

ولعل أكبر عامل في عزل الشيعة في غيتو طائفي، كان قيامهم بلعن الخلفاء الثلاثة باعتبارهم “مغتصبين لحق الامام علي بالخلافة”، فضلا عن عائشة وطلحة والزبير ومعاوية الذين حاربوا الامام. حيث تطور الموقف السلبي من الخلفاء والصحابة، من اعتبارهم كفاراً ومشركين، إلى إبداء العداوة والبغضاء لهم ولعنهم.

وقد روى الكليني عن أبي جعفر الباقر أنه قال:”إن الشيخين (أبا بكر وعمر) فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”.[10] وأضافت بعض الروايات اليهما آخرين من الصحابة وزوجات النبي.[11]  

رد فعل المسلمين ضد الشيعة بسبب الغلو واللعن والتكفير

 ان التعدي على الخلفاء الثلاثة بالسب واللعن، كان يعزل الشيعة في غيتوات ضيقة، ويدفع البعض الى اعتبار ذلك جريمة كبرى تستحق التكفير والإخراج من الملة،  

واختلق بعض محدثي أهل السنة، أحاديث على لسان النبي تدعو لقتل الشيعة، مثل هذا الحديث الذي رواه ابن حجر الهيثمي: “إن عليا قال: قال رسول الله: يظهر في أمتي في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الاسلام”، والذي أخرجه الدار قطني بزيادة أنه قال لعلي: “فإن ادركتهم فاقتلهم فانهم مشركون، قال قلت: ما العلامة فيهم: قال يقرضونك بما ليس فيك ويطعنون على السلف”.[12]

2-  المقاطعة السياسية

   وقد أدى تكفير أئمة المخالفين، وأتباعهم، والحكم بضلالهم، إلى موقف سلبي آخر، هو الفصل الاجتماعي والسياسي بين الشيعة “الإمامية” وغيرهم من المسلمين المخالفين، استنادا الى رواية عن الصادق يخاطب فيها الشيعة:”أحبوا في الله من وصف صفتكم وأبغضوا في الله من خالفكم وابذلوا مودتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم ولا تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغى لكم الغوائل”.[13]  وأنه قال:” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس مجلسا ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن”. [14]

وكان من الطبيعي بعد ذلك أن يدعو الفكر الإمامي إلى مقاطعة الأنظمة الحاكمة، وأن يروي عن الباقر النهي عن الدخول في أعمال الحكام المخالفين. [15] 

3 – المقاطعة الاجتماعية

وإذا كانت مقاطعة الظالمين مفهومة ومعروفة عن أئمة أهل البيت، فإن الإمامية رووا عنهم روايات أخرى تأمر بمقاطعة المخالفين اجتماعيا، كما روى الكليني عن أبي عبد الله أنه قال لبعض الشيعة مستنكرا:” تصافحون أهل بلادكم وتناكحونهم؟ أما إنكم إذا صافحتموهم انقطعت عروة من عرى الإسلام وإذا ناكحتموهم انهتك الحجاب بينكم وبين الله عز وجل”. [16]

ونتيجة لقرار مقاطعة المخالفين اجتماعيا فقد قام الإمامية بمقاطعتهم في الصلوات والعبادات، وتحريم صلاة الجماعة خلفهم إلا للتقية. [17]

وقد أدى موقف المقاطعة الاجتماعية ببعض الإمامية إلى تحريم الزواج بين الطرفين[18]

وروى الكليني مجموعة روايات بهذا المضمون، تنهى عن الزواج من النواصب والمخالفين.[19] ولا سيما النساء “المؤمنات” منهم.[20] كما عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله: إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا، وليس على رأينا بالبصرة إلا قليل، فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟ قال: لا ولا نعمة ولا كرامة.. إن الله عزَّ وجل يقول: “فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن”.[21] وروى الكليني حديثا عن أبي عبد الله يبرر ويفسر تزويج الإمام علي لابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، بالاغتصاب والإكراه: “إن ذلك فرجٌ غُصبناه”.[22]   

 4 – المقاطعة الاقتصادية

وتناقل الإمامية أحاديث عن أئمة المذهب بوجوب مقاطعة الشيعة لمخالفيهم اقتصاديا، وخصوصا في موضوع الزكاة. وتحريم دفع الزكاة للفقراء المخالفين.[23] ووجوب إعادة إخراج الزكاة مرة ثانية إن تم وضعها في غير موضعها.[24]

5الانطواء وتعزيز العلاقات الداخلية

ونتيجة للانفصال الذي أحدثته نظرية “الإمامة الإلهية” بين الإمامية ومحيطهم الإسلامي العام، أدرك الإماميون مبكراً أهمية تعزيز العلاقات الداخلية، فنقلوا عن الباقر قوله لأحد أصحابه:” يا خثيمة أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم وأن يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا”.[25] ونقلوا عن أبي عبد الله الصادق أنه أوصى الشيعة بالتزاور والمحادثة والتبري والتولي.[26]   

 وقد لعبت هذه الأحاديث والوصايا بمقاطعة المخالفين عباديا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا، وتعزيز العلاقات الداخلية الشيعية، دورا كبيرا في تشييد الكيان الطائفي الخاص للشيعة، وفرض جدار من العزلة حولهم، وتحويلهم من طليعة سياسية تناضل من أجل مصالح الأمة العامة في الحرية والعدالة والشورى، الى مجموعة خاصة منطوية على نفسها وتتبادل العداوة والبغضاء مع الآخرين.


[1]  – النوبختي، فرق الشيعة، ص 62  

[2]  – الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب أدنى ما يكون فيه العبد مؤمنا أو كافرا، ح رقم 1

[3]  – المصدر، باب أن  الإسلام يحقن به الدم، ح رقم 4 و كتاب الحجة، باب معرفة الإمام والرد إليه، ح رقم 6

[4]  – المصدر، باب الشرك، ح رقم 5

[5]  – المصدر، كتاب الحجة، باب أنه من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، ح رقم 2 و كتاب الحجة، باب معرفة الإمام والرد إليه، ح رقم 5

[6]  – المصدر، كتاب الإيمان والكفر، باب في قلة عدد المؤمنين، ح رقم 6   

[7]  – المصدر، كتاب الروضة، ح رقم 341

[8]  – المصدر، كتاب الحجة، باب فيمن دان الله بغير إمام من الله، ح رقم 2

[9]  – ويقول فيه: ” من أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته من الله، كان مشركا بالله”. المصدر، باب أنه من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، ح رقم 6

[10]  – المصدر، كتاب الروضة، ح رقم 343

[11]  – المصدر، ح رقم 5144 – 10

[12]  – الهيتمي، ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 3  

[13]  – المصدر، كتاب الروضة، رسالة الإمام الصادق، حديث رقم 1

[14]  – المصدر، كتاب الإيمان والكفر، باب مجالسة أهل المعاصي، ح رقم 8 و 9 و 12 و  15

[15]  – المصدر، ح رقم 8531 – 5 و ح رقم 8538 – 12

[16]  – المصدر، ح رقم 9561 – 17

[17]  – المصدر، ح رقم 5276 – 2 و ح رقم 5281 – 7 و ح رقم 5278 – 4

[18]  – المصدر، ح رقم 9556 – 12

[19]  – المصدر، ح رقم 9547 – 3 و ح رقم 2 955 – 8 و ح رقم 9548 – 4

[20]  – المصدر، ح رقم 2 955 – 8 و ح رقم 9548 – 4

[21]  – المصدر، ح رقم 9550 – 6

[22]  – الكليني ، الكافي، ح رقم 9536 – 1 و ح رقم 9537 – 2

[23]  – المصدر، ح رقم 5928 – 6 و ح رقم 5744 – 1

[24]  – المصدر، ح رقم 5924 – 2

[25]  – المصدر، كتاب الإيمان والكفر، باب زيارة الإخوان، ح رقم 2

[26]  – المصدر، باب تذاكر الإخوان، ح رقم 2 و ح رقم 3 و 4 و 6 وكتاب الروضة، ح رقم 292

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *