أيها “الإسلاميون” احذفوا من رؤوسكم حلم “الدولة الإسلامية”

Uncategorized

!أيها “الإسلاميون” احذفوا من رؤوسكم حلم “الدولة الإسلامية”

شهدت المجتمعات الإسلامية خلال العقود الماضية، أو القرون الماضية، حركات سياسية عديدة بعضها كان يطالب بالإصلاح العقدي، وبعضها كان يطالب بالحرية أو العدل، وبعضها كان يطالب بالديمقراطية أو الاشتراكية، ولكن الأمة الإسلامية شهدت بعد سقوط الدولة العثمانية عام ١٩٢٤ حركات “إسلامية” تطالب بإعادة الخلافة، وإقامة دولة إسلامية، وبعض هذه الحركات علق كل عمل إصلاحي على إقامة الدولة أولا، وعطل النشاطات الاجتماعية الجزئية كاقامة العدل او الحرية او الإصلاح الثقافي والفكري، انتظارا لتحقيق الهدف الأكبر، بينما ذهب قسم آخر من الحركات (الإسلامية) أي التي تنادي بإعادة الخلافة وإقامة الدولة الإسلامية، الى ممارسة الاعمال الجزئية الإصلاحية تمهيدا لتحقيق الهدف الأكبر، ولم يجد تناقضا بين الانغماس في الأهداف الصغرى قبل الوصول الى الهدف الأكبر.

  وقد تفضل أحد الاخوة من الأعضاء السابقين في حزب التحرير، بنشر دراسة نقدية لما يبدو انها موجهة لاستراتيجية حزب التحرير الإسلامي، المعروف بتبنيه التركيز على إقامة الدولة الإسلامية (الخلافة) أولا، ونشر ذلك الأخ  الحلقة الأخيرة (السابعة) من دراسته في صفحتي على الفيسبوك بعنوان (الأزمة وسيناريوهات الحل). وطلب التعليق عليها.

واذا كان لا بد لي من تعليق سريع فاني أقول بأن أكبر خطأ وقعت فيه تلك الحركات الإسلامية الساعية لإعادة الخلافة أو إقامة الدولة الإسلامية، هو إيمانها بوجود (دولة إسلامية) في الإسلام، وشعورها بأن تلك الدولة تمثل  جنة الله في الأرض، التي سيحل الوصول اليها جميع مشاكل الأمة الإسلامية، وأن تلك الدولة ستبقى مستمرة للأبد وتتحدى الأعداء الداخليين والخارجيين.

  وتغفل تلك الحركات (الإسلامية) عن طبيعة الناس في المجتمع الإسلامي، وعن الصراع الدائم بين الخير والشر والايمان والكفر والمؤمنين والمنافقين والكفار، وعن احتمالات الردة والانقلاب على مختلف المستويات، وبالتالي استحالة إقامة نظام إسلامي دائم، يخلو من الكفر والنفاق والفسق والظلم والسرقة والخيانة والردة بين أعضائه وبين افراد المجتمع. وبالتالي فان هدف (إقامة الخلافة أو الدولة الإسلامية) التي ستحل جميع مشاكلنا، يبقى حلما ورديا مثاليا مستحيلا. وتكفي قراءة موضوعية لتاريخ المسلمين منذ وفاة رسول الله (ص)، وربما قبلها أيضا، لتكشف لنا وجود الصراع الدائم بين المؤمنين والمنافقين، والمسلمين والكفار، وهو ما أدى الى سقوط تجربة الخلافة الراشدة ، والأمة الإسلامية في الفتنة الكبرى المستمرة الى اليوم.

هل يعني ذلك أن نيأس ونجلس في بيوتنا؟

بالطبع : لا.. وانما علينا ان نحذف من رؤوسنا حلم (الدولة الإسلامية) المثالي الخيالي، ونعمل على تطوير المجتمع فكريا وثقافيا واخلاقيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، أي نعمل على مكافحة الظلم والفقر والجهل والاستبداد في جميع المستويات في المجتمع، وذلك تطبيقا لقول الله تعالى:”لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا  وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ  أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177البقرة)

  وهذا ما يجب ان ندعوا اليه ونعمل من اجله، منذ هذه اللحظة، ودون انتظار إقامة هيكل (دولة إسلامية) قد تزيد الطين بلة وتضاعف الظلم والفساد والاستبداد. كما كان منتعشا في ظل أنظمة الخلافة السابقة عبر التاريخ.

  صحيح ان الدولة العثمانية الكبيرة أو العظمى كانت تقف سدا منيعا أمام  اعتداءات الدول الأوربية قرونا من الزمن، وان سقوطها أدى الى احتلال البلاد العربية وتشرذمها، وان إقامة دولة واحدة لجميع الدولة العربية والإسلامية، او أية وحدة  ولو بين سوريا ومصر والعراق مثلا، سيساهم في إعادة القوة للبلاد العربية والإسلامية، ولكن ذلك لا يتوقف على إقامة دولة الخلافة، وانما يمكن تحقيقه بإقامة أية وحدة وأي تنسيق بين الدول العربية والإسلامية.

  لا شك ان الوحدة  بين الدول الإسلامية هدف الهي عظيم، وخطوة  مهمة نحو تحقيق القيم الإسلامية، وتحرير الأمة وحفظ استقلالها،  ولكن الحرية  الداخلية وتطبيق العدل بمختلف الأصعدة، هدف مهم لا يقل أهمية عن ذلك، ولا يقبل التأجيل والتأخير، ولذلك فقد حث الله تعالى في الآية الآنفة، بعد الايمان بالعقيدة الإسلامية، على العمل من اجل إعطاء المال الى الفقراء والمساكين والمحتاجين، ثم حث على الصلاة، والزكاة مرة أخرى، بالإضافة الى  مجاهدة الظالمين والصبر في البأساء والضراء والالتزام بالعهود. ولم يدعنا الى إقامة (دولة إسلامية أو خلافة).

  وبناء على ذلك يمكن القول ان السعي لتحرير البلاد الإسلامية من الأعداء الخارجيين والمستبدين الداخليين، والعمل من أجل إقامة أنظمة  اقتصادية عادلة، هو على رأس أجندة أية حركة إسلامية حقيقية، قبل التفكير، أو بدون التفكير بإقامة (نظام إسلامي = كالخلافة) لا أحد يعرف ملامحه وتفاصيله الدستورية، وفيما اذا كان يحقق العدل والحرية أم لا؟

  ومن هنا فان خطة العمل الإسلامية الحقيقية، لا تقبل الانتظار حتى تحقيق حلم الخلافة المثالي الخيالي، وانما تبدأ من التعرف على الظلم والفساد في المجتمع في كل المستويات الفردية والاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، والبدء بالعمل من اجل نشر العدل والحرية ومكافحة الظلم والاستبداد والاستعمار. وكذلك بناء مجتمعات حرة وموحدة، تسعى الى التنسيق أو الوحدة الفيدرالية أو الكونفدرالية بين الدول الإسلامية المختلفة، وتكوين كتلة عالمية محترمة، تفرض احترامها على الدول الكبرى ولا تظلم أحدا.

  وارجو ان يسمح لي كاتب  الدراسة النقدية، بالقول انه لا يزال متأثرا باستراتيجية حزب التحرير، نوعا ما، وخصوصا بملاحظته الأخيرة الثامنة من الحلقة السابعة، وهي دعوته الى تجنب المواجهة المبكرة  ، وقوله: “على الحركة ألا تضع نفسها في مواجهة الأنظمة مباشرة ، وعليها أن تجد حلولا (مبتكرة) للترخيص والعمل الميداني العلني ، الذي يسمح لها بنشر فكرتها دون أن يكون عليها ضغط يؤدي لقصم ظهرها ” حيث لا أجد أي معنى، أو لم افهم ما هي الفكرة التي ينبغي نشرها، والعمل من أجلها، في الوقت الذي يجب  على الحركة أن تتجنب مواجهة الأنظمة ، فاذا كانت تلك الأنظمة عميلة وخائنة، وظالمة وفاسدة، يجب على أي مسلم  يؤمن بتعاليم الله أن يعمل من أجل مكافحة الظلم والفساد، ويحرر البلاد من الظلمة والمستبدين والمحتلين والمستعمرين وعملائهم الخونة. ولا ينظر حتى إقامة (دولة الخلافة)  المثالية الخيالية. والا يكون موقفه هذا هروبا من تطبيق أحكام الله بحجة السعي بعيد المدى لإقامة أحكام الله.

أحمد الكاتب

١٣/١/٢٠٢١

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *