ورد حكم الزواج المؤقت (المتعة) في القرآن الكريم: ” فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، ان الله كان عليما حكيما”. (النساء، ٢٤)
وقد روي عن جماعة من الصحابة، منهم أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، أنهم قرأوا: “فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى فآتوهنّ أجورهنّ فريضة”، وفي ذلك تصريح بأن المراد به زواج المتعة، وقال بجواز المتعة بعض التابعين كمجاهد، وقتادة وشعبة وأبو ثابت، وطاووس وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة ومنهم ابن جريج. ثم اختلفوا في نسخ هذه الإباحة، وفيما إذا كان النسخ من النبي الأعظم او من الخليفة عمر بن الخطاب.
وقد أخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين أنه قال: (نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم ينزل قرآن يحرّمها، ولم ينه عنها، حتى مات (صلى الله عليه وآله)، قال رجل برأيه ما شاء).
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي الزبير قال: (سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث).
وروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي نضرة عن جابر قال: “تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومع أبي بكر، فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن كانتا – أي المتعتان- على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلالاً، وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما” .
وفي مقابل هذه الأحاديث يروي أهل السنة ان التحليل كان لفترات قصيرة، وان النبي حرّم المتعة عدة مرات في عدة مواطن ، وانه (ص) حرمها في أواخر أيام حياته تحريما مؤبدا، ونسخ حكم اباحته الأول . مثل:
– “يا أيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّم ذلك يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء، فليخلّ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا”.
ولكن أئمة الشيعة أنكروا أن يكون الرسول الأعظم قد حرم المتعة تحريما مؤبدا، ونسبوا النهي والتحريم الى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. وبما أن أئمة المذهب الامامي كانوا يتخذون موقفا سلبيا ضد الخلفاء الثلاثة الأوائل، فقد اتخذ الخلاف حول المتعة بعدا سياسيا، وقد رفع الامام جعفر الصادق مستوى حكم (المتعة) من درجة الإباحة الى درجة الاستحباب، وأكد على ضرورة ممارستها من قبل الشيعة، وقال: “ليس منا من لم يقل بمتعتنا ويؤمن برجعتنا”.
وقد بحث الشيخ المفيد مسألة (المتعة) في عدة كتب هي: المتعة، والموجز في المتعة، والمختصر في المتعة، ورسالة المتعة، وفي المسائل الصاغانية، والمسائل العشر، مما يدل على أنه قد أولاها أهمية قصوى، وروى عن الامام أبي عبد الله انه قال: “يستحب للرجل أن يتزوج المتعة وما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة”. وأنه قال لمحمد بن مسلم: “لا تخرج من الدنيا حتى تحيي السنة”. وأنه قال: “ما من رجل تمتّع ثمّ اغتسل إلاّ خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة ويلعنون متجنبها إلى أن تقوم الساعة”.
وبالرغم من رواية هذه الأحاديث عن الامام جعفر الصادق، الا أن الشيخ المفيد يحكي لنا عن حوار جرى بينه وبين شيخ اسماعيلي في حضرة قائد بويهي، حول جواز المتعة، مما يدل على تفرد الاثني عشرية بالقول بجوازها وعدم معرفة الإسماعيلية (الامامية) بذلك، فيقول:
“حضرت دار بعض قواد الدولة وكان بالحضرة شيخ من الإسماعيلية يعرف بابن لؤلؤ سأل: ما الدليل على اباحة المتعة؟
فقلت له: الدلالة على ذلك قول الله عز وجل “وأحل لكم ما وراء ذلك ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين، فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، ان الله كان عليما حكيما”. فأحل جل اسمه نكاح المتعة بصريح لفظها وبذكر أوصافه من الأجر عليها والتراضي بعد الفرض من الازدياد في الأجل وزيادة الأجر فيها.
فقال: ما انكرت أن تكون هذه الآية منسوخة بقوله ” والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون” فحظر الله تعالى النكاح الا لزوجة أو ملك يمين، واذا لم تكن المتعة زوجة ولا ملك يمين فقد سقط قول من أحلها.
فقلت له: قد أخطأت في هذه المعارضة من وجهين:
أحدهما: إنك ادعيت ان المستمتع بها ليست بزوجة، ومخالفك يدفعك عن ذلك ويثبتها زوجة في الحقيقة.
والثاني: ان سورة المؤمنين مكية وسورة النساء مدنية، والمكي متقدم للمدني فكيف يكون ناسخا له وهو متأخر عنه وهذه غفلة شديدة.
فقال: لو كانت المتعة زوجة لكانت ترث ويقع بها الطلاق، وفي اجماع الشيعة على أنها غير وارثة ولا مطلقة دليل على فساد هذا القول
فقلت له: وهذا أيضا غلط منك في الديانة، وذلك ان الزوجة…
فقال صاحب المجلس وهو رجل أعجمي لا معرفة له بالفقه وانما يعرف الظواهر: أنا اسالك في هذا الباب عن مسألة فأخبرني: هل تزوج رسول الله متعة أو تزوج أمير المؤمنين؟
فقلت له: لم يأت بذلك خبر ولا علمته
فقال: لو كان في المتعة خير ما تركها رسول الله وأمير المؤمنين
فقلت له: أيها القائد ليس كل ما لم يفعله رسول الله كان محرما، وذلك ان رسول الله والأئمة كافة لم يتزوجوا الاماء ولا نكحوا الكتابيات، ولا خالعوا ولا تزوجوا بالزنج ولا نكحوا السند ولا اتجروا الى الأمصار ولا جلسوا باعة للتجار، وليس ذلك كله محرما ولا منه شيء محظورا الا ما اختصت الشيعة به دون مخالفينا من القول في نكاح الكتابيات…”.
وبغض النظر عن الجدل حول تحريم النبي للمتعة تحريما مؤقتا أو دائما، وهل يمكن للسنة أن تنسخ القرآن، فانا إذا راجعنا آية المتعة: ” فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة”. (النساء، ٢٤) فسنجد أنها تتضمن حكم الإباحة فقط، ولا تتضمن الاستحباب، كما نجد حكم الاباحة في الزواج من الإماء، في هذه الآية: “ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات…”. (النساء، ٢٥) ولكن لم يرفع أحد هذا الحكم الى مستوى الاستحباب لعدم وجود دافع سياسي مثلما هو موجود في مسألة المتعة.