كيف يعرف السيستاني مذهب أهل البيت؟ وهل هو امتداد للسنة النبوية؟ وهل يحق لهم نسخ القرآن والسنة؟ أو إضافة شيء جديد الى الإسلام؟

Uncategorized

كيف يعرف السيستاني مذهب أهل البيت؟ وهل هو امتداد للسنة النبوية؟ وهل يحق لهم نسخ القرآن والسنة؟ أو إضافة  شيء جديد  الى الإسلام؟

ينطوي ما يعرف بمذهب أهل البيت، أو المذهب الشيعي الامامي الاثنا عشري، على نظرية سياسية تقول باشتراط العصمة والنص في الامام، وان الامامة منصب الهي كالنبوة يتم تعيين الامام فيه من الله تعالى، كما ينطوي على مسائل فقهية تختلف عن المذاهب السنية الأربعة في بعض الأمور.

   ويقول متكلمو الامامية بأن نظرية الامامة مستوحاة من القرآن الكريم والسنة  النبوية، وان الفقه الشيعي المعروف بالجعفري هو امتداد للسنة النبوية،  باعتبار أئمة أهل البيت امتداد للنبوة.

  يقول المرجع الشيعي المعاصر المعروف السيد علي السيستاني في كتابه (الرافد في علم الأصول):”إن الشيعة تعتقد أن السنة الحقيقية للرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) هي موروثة عند أهل البيت (عليهم السلام)، كما ورد عن الصادق (عليه السلام) عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): “لو كنا نفتي الناس برأينا و هوانا لكنا من الهالكين و لكن أصول علم نتوارثها عن رسول اللّه (ص) كابرا عن كابر”.  ( البحار ٢: ١٧٢/ ٣).  

الرافد، ص ٧٥

   ويؤكد السيستاني  توافق المذهب الشيعي مع الأصول الإسلامية و القواعد العقلية و الشرعية، وهذا معنى قولهم (عليهم السلام): “إن على كل حق حقيقة و على كل صواب نورا فما وافق كتاب اللّه فخذوه”. ( الوسائل ٢٧: ١٠٩/ ٣٣٣٤٣)

الرافد، ص ٢٦

   وهذا بالطبع ينسجم مع ما روى الامام محمد الباقر عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال:”… إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق. ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدل على خير سبيل … فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة”.

الكليني، الكافي، كتاب فضل القرآن، حديث رقم 2

 وما أسنده إلى جده الإمام علي، يوصي فيه أصحابه بالقرآن، ويقول: “اعلموا أن القرآن هدى النهار ونور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة”.

 الكليني، الكافي، كتاب فضل القرآن، حديث رقم 6

وما رواه الصدوق عن الصادق: ” الوقوف عند الشبهه خير من الاقتحام في الهلكة، إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه”.  وما رواه ” القطب الراوندي ” عن  الصادق: “إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه . . . “.

الخوئي، البيان، من ص 223 الى ص 235

   ويقول السيستاني:”يمتاز الفقه الاستدلالي عند الشيعة عن الفقه الاستدلالي عند غيرهم بأمرين:

أ- امتداد السنة المعصومية الى زمان أهل البيت (عليهم السلام) و شمولها لأحاديثهم، و هذا يشكل ثروة فقهية متعددة الحقول في الفقه الاستدلالي الشيعي أكثر من غيره من المذاهب التي قصرت السنة على أحاديث الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)”.

ص ٧٩

   ويضيف السيستاني بأن “التشيع الثقافي هو الذي بدأت بذرته بالنمو منذ زمن الإمام الباقر (عليه السلام)، ويعني افراز المذهب الشيعي ككيان فكري و عملي له أصوله و قواعده المعينة من بين بقية المذاهب و الفرق الأخرى استنادا لكتاب اللّه و السنة النبوية الموروثة عند أهل بيت العصمة (عليهم السلام)”. ص ٧٦

  وربما كان السيستاني يعني بالتشيع الثقافي ما يعرف بالفقه الجعفري، ونظرية الامامة الإلهية التي اشتهرت عنه، وامتاز بها عن أخيه الامام زيد بن علي، والحركة الزيدية التي لم تعرف نظرية العصمة والنص، واكتفت بحصر الامامة في البطنين الحسني والحسيني.

  وعلي أي حال فان هناك سؤالا كبيرا طرح منذ الزمن الأول عن نسبة (التشيع الثقافي: الفقهي والنظري السياسي) الى أئمة أهل البيت، ولا سيما الامامين الباقر والصادق، نظرا لورود روايات كثيرة عنهم فيها اختلاف وتناقض وخروج عن القرآن والسنة النبوية، وتتضمن غلوا كبيرا الى حد ادعاء النبوة ونزول الملائكة عليهم والعلم اللدني والالهام، وما شابه، فهل كان هذا الاختلاف في الروايات المتناقضة من الأئمة أنفسهم؟ أم من الرواة الكذبة الغلاة والمندسين في أتباع أهل البيت؟

 وبالتالي: ما هو مذهب أهل البيت؟ وهل كان يوجد لديهم مذهب واحد معروف وثابت وصريح؟ أم كانت هناك مذاهب مختلقة عديدة تنسب اليهم كذبا وزورا؟

  في الحقيقة .. لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بسرعة وبساطة وسهولة، بعد أربعة عشر قرنا من الزمان، الا بالقيام بعملية اجتهاد عميقة وشاملة للتراث الامامي، وتنقية هذا التراث من أقوال الغلاة والكذابين والمندسين الذين تآمروا على أهل البيت وشوهوا مذهبهم.

    وتبدأ الخطوة الأولى من إعادة النظر في ما يسمى بعلم الكلام، والبحث في أساس شرعية وحجية الأئمة، ولا سيما  الامام محمد بن علي الباقر، وهذا ما يؤكده علماء الشيعة أنفسهم عبر التاريخ، يقول السيد السيستاني في كتابه (الرافد في علم الأصول): “هذا العلم (ويعني به الأصول،  أو الفقه أو التشيع الثقافي) امتداد لعلم الكلام، لأن علم الكلام يبحث عن الخلافات العقائدية بين الفريقين و هذا العلم يبحث عن الخلافات الفقهية الفرعية، ولذلك نلاحظ الارتباط الوثيق بين علم الكلام و علم الأصول و علم الفقه في كثير من البحوث، مما دعى أمثال الشيخ المفيد الى كتابة رسالة (الاعلام في الفقه الخلافي) كتكملة لكتابه (أوائل المقالات) المدون في العقائد، كما أن كتاب ا(لانتصار) للسيد المرتضى يعد شرحا لكتاب (الاعلام) للمفيد لتطابقهما في العناوين و بعض العبارات”. ص ٧٦

ولا ندري هل بحث السيد السيستاني موضوع الامامة الإلهية كلاميا؟ ولكننا لم نجد له بحثا منشورا حول ذلك.

 ويخلو كتابه: (الرافد في علم الأصول) من بحث موضوع الامامة، أو وجود الامام الثاني عشر، الذي يتمم (القائمة الاثني عشرية) التي قام على أساسها المذهب (الاثنا عشري) في القرن الرابع الهجري، على يد الشيخ المفيد والمرتضى والطوسي.

ما هي أسباب الاختلاف في احاديث أهل البيت، حسب رأي السيستاني؟

ولكن السيد السيستاني يبحث بتفصيل موضوع الاختلاف في احاديث أهل البيت، فيقول: إن ” أسباب الاختلاف قسمان: أسباب داخلية و أسباب خارجية و المقصود بالأسباب الداخلية هي الأسباب التي صدرت من قبل أهل البيت أنفسهم و المقصود بالأسباب الخارجية هي الأسباب التي صدرت من الرواة و المدونين، فالأسباب الداخلية عدة منها:

١- النسخ: و تحدثنا فيه عن امكان صدور النسخ من قبل أهل البيت (عليهم السلام) للآية القرآنية و الحديث النبوي و الحديث المعصومي السابق، و أقسام النسخ من النسخ التبليغي الذي يعني كون الناسخ مودعا عندهم (عليهم السلام) من قبل الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لكنهم يقومون بتبليغه في وقته، و النسخ التشريعي و هو عبارة عن صدور النسخ منهم ابتداء و هذا يبتني على ثبوت حق التشريع لهم (عليهم السلام)  كما كان ثابتا للرسول (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم)”. وقد طرحنا هذا الموضوع أيضا ضمن بحث النسخ”. ص ٢٧

٢- انقسام الحكم الصادر إلى قسمين:

أ- حكم قانوني.

ب- حكم ولايتي، و هذا من اسباب اختلاف الاحاديث لاختلاف نوع الحكم الصادر، و هناك نبحث عن الفارق بين الحكمين و عن وجودهما في‏ أحاديثنا و عن حدود الحكم الولايتي مع بيان حدود ولاية الفقيه و انقسامها للولاية العامة و الولاية في الامور العامة.

٣-  الكتمان: أي كتمان بعض الامور الواقعية في حديث و ذكرها في حديث آخر فيحصل الاختلاف المذكور… ومن اسباب الكتمان المداراة أي مداراة ظروف السائل في كونه ملحدا أو حديث عهد بالاسلام أو حديث عهد بالتشيع فلا يلقى له الحكم الصريح‏ حفاظا على شعوره و هدايته، أو كونه من الغلاة أو المقصرين أو اصحاب المذاهب الاقتصادية أو السياسية أو الفكرية فيحذر الامام ان يلقي له الحكم الواقعي فيكون مؤيدا لخطه المنحرف الذي يدعو له، أو كونه يعيش في بيئة منحرفة لا تتحمل هذا الحكم فيراعي الامام (عليه السلام) بيئته و محيطه. ص ٢٨

   ومن اسباب الكتمان التقية بانواعها، وهي التقية من السلطة الحاكمة أو من المذهب المشهور عند الجمهور أو من التيارات الفكرية المناوئة، و استعمال الامام للتقية تارة بالقاء الاختلاف بين الشيعة حتى لا يطمع فيهم اعداؤهم نتيجة لاختلافهم كما ورد في الروايات، و تارة باخفاء الحكم الواقعي. و نوع الاحكام التي يصح فيها طريق القاء الاختلاف بين الشيعة. وهذا بيان اجمالي للاسباب الداخلية لاختلاف الحديث. ص ٢٩

ويضيف السيستاني الى تلك الأسباب (التورية العرفية) “وهي الستر على المراد الجدي الواقعي بعدة أساليب، و قد ذكرنا في بحث علل اختلاف الأحاديث في باب تعارض الأدلة الشرعية أن من أسباب اختلاف الحديث الصادر عنهم (عليهم السلام) هو استخدامهم (عليهم السلام) للتورية العرفية كما ورد عنهم (عليهم السلام) : “إن كلامنا لينصرف إلى سبعين وجها لنا منها المخرج”. ص ٢٣

   وروى الكليني عن الصادق أنه كان يفتي الناس أحيانا حسب انتماءاتهم، وربما غيَّر فتاواه في مجلس واحد عدة مرات .

 الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم، ح رقم 3

    ونقل عن (موسى بن أشيم) قال : كنت عند أبي عبد الله فسأله رجل عن آية من كتاب الله (عز وجل) فأخبره بها ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر به الأول، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين، فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطاء كله، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي، فعلمت أن ذلك منه تقية، قال: ثم التفت إلي فقال لي:” يا ابن أشيم إن الله (عز وجل) فوض إلى سليمان بن داود فقال: “هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب “. وفوض إلى نبيه، (ص) فقال: “ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا “. فما فوض إلى رسول الله (ص) فقد فوضه إلينا”.

الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب التفويض إلى رسول الله والأئمة أمر الدين، ح رقم 2   

وذكر الكليني في “الكافي” عدة روايات عن أبي عبد الله الصادق، يتعمد فيها الإفتاء المتعدد والمتغير في واقعة واحدة، وأنه قال لأحد أصحابه ( أبي عمرو الكناني):” يا أبا عمرو أ رأيتك لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك، أو أفتيتك بخلاف ذلك، بأيهما كنت تأخذ؟ قال: بأحدثهما و أدع الآخر، فقال: قد أصبت يا أبا عمر، وأبى الله إلا أن يعبد سراً ، أما والله لئن فعلتم ذلك إنه لخير لي ولكم، و أبى الله عز وجل لنا ولكم في دينه إلا التقية”.

الكليني، الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب التقية، ح رقم 7

    ويواصل السيستاني الحديث عن أسباب الاختلاف في أحاديث أئمة أهل البيت، فيتحدث عن الأسباب الخارجية التي قام بها الرواة و المؤلفون كالوضع والنقل بالمعنى، والتقطيع للروايات والخلط بين كلام الامام و كلام غيره من الفقهاء في سياق واحد من قبل الراوي.

الرافد، ص ٢٩ -٣٥

ولا خلاف في الواقع حول الأسباب الخارجية المتعلقة بالرواة والمحدثين، ولكن الكلام المهم يتركز حول (الأسباب الداخلية) وبالخصوص دعوى (الامامة الإلهية) التي تفرعت عنها دعوى صلاحية الأئمة في نسخ القرآن والسنة النبوية، أو إضافة أمور جديدة في الإسلام لم تعرف عن النبي الأكرم، وليست موجودة في القرآن الكريم، وكذلك قدرة الأئمة على ممارسة التقية وكتمان الدين، والقاء الاختلاف عمدا، كما يقول السيد السيستاني، وهذا أمر خطير جدا قد يفتح بابا على تأسيس دين جديد، وليس مذهبا إضافيا الى جانب المذاهب الأخرى، ويحتاج للتأكد منه العودة الى دراسة (علم الكلام الشيعي الامامي) والتعرف على حجية كلام الامام محمد الباقر، الذي ابتدأ التحدث عن نظرية الامامة الإلهية والفقه الخاص (الجعفري).

  فهل كان الامام الباقر راويا لأحاديث رسول الله (ص) فقط؟ أم  “إماما معينا من الله” وامتدادا للنبوة، وحاملا سريا للسنة  النبوية المخفية؟ وقادرا على نسخ القرآن والسنة والاتيان بدين جديد؟

   اذا عدنا الى الأحاديث الصحيحة المتواترة والمشهورة عن اهل البيت والتي افتتحنا بها هذا المقال، والتي رواها السيستاني في كتابه (الرافد في علم الأصول) وهي: “لو كنا نفتي الناس برأينا و هوانا لكنا من الهالكين و لكن أصول علم نتوارثها عن رسول اللّه (ص) كابرا عن كابر”. و”إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب اللّه فخذوه”.  أو الحديث الآخر المتواتر عن الامام الصادق: “لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة…فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنه نبينا محمد (ص) فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله (عزَّ وجل) وقال رسول الله (ص).. “.  

    ولا ندري فيما ذا كان السيد السيستاني قد اطلع جيدا على تاريخ الأئمة والامامة، وقرأ كل ما يوجد في كتب الامامية ككتاب (فرق الشيعة) للنوبختي، و(المقالات والفرق) لسعد بن عبد الله الأشعري القمي، و (بصائر الدرجات) لمحمد بن فروخ الصفار، و(الكافي) للكليني، و(الامامة والتبصرة من الحيرة) لعلي بن با بويه القمي وغيرهم من مؤرخي الشيعة والمتكلمين الذين تحدثوا عن نشوء نظرية الامامة الإلهية في القرن الثاني الهجري، على يد الامام  الباقر، ورووا عنه القصة الأساسية الأولى التي قامت عليها نظرية الامامة وهي:

“معجزة الحجر الأسود”

   التي يرويها الكليني والصفار وابن بابويه عن الامام الباقر أنه قال: “لما قتل الحسين أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين.. فخلا به فقال له: يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله (ص) دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين ثم إلى الحسن، ثم إلى الحسين، وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلى على روحه ولم يوصِ، وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجني. فقال له علي بن الحسين : يا عم اتق الله ولا تدَّعِ ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي يا عم صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله (ص) عندي، فلا تتعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله (عز وجل) جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك. قال أبو جعفر (الباقر): وكان الكلام بينهما بمكة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: ابدأ أنت فابتهل إلى الله (عز وجل) وسله أن ينطق لك الحجر ثم سل، فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين: يا عم لو كنتَ وصيا وإماما لأجابك، قال له محمد: فادع الله أنت يا ابن أخي وسله، فدعا الله علي بن الحسين بما أراد ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي؟ قال: فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين ابن علي إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) قال: فانصرف محمد بن علي وهو يتولى علي بن الحسين عليه السلام”.

 الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب ما يضل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح رقم 5  والصفار، بصائر الدرجات، ج 10 ص 502، وابن بابويه، الإمامة والتبصرة من الحيرة، ص 60

واذا صحت هذه الرواية عن الامام الباقر، فانها  تنسف نظرية الامامة الإلهية، حيث يعترف فيها الامام الباقر نفسه بعدم معرفة الامام محمد بن الحنفية لأي نص أو وصية بالامامة على زين العابدين، وان هذه الامامة – حسب دعوى الباقر- لم تثبت الا بمعجزة تكلم الحجر الأسود، وهي معجزة خيالية لم يروها أحد غير الباقر. أو هكذا تنسب اليه.

  واذا رفضنا هذه “المعجزة” التي تشكل أساس نظرية الامامة الإلهية، فان محمد الباقر يصبح عالما عاديا أو مجتهدا، أو راويا لبعض الأحاديث عن آبائه وأجداده، فقط، وليس “اماما معصوما معينا من قبل الله” كما يقول الامامية.

  ويترتب على ذلك الشك في الأسباب التي قدمها السيد علي السيستاني في تحليله لظاهرة اختلاف الأحاديث الواردة أهل البيت، ولا سيما (الأسباب الداخلية) كالقدرة على نسخ القرآن والسنة النبوية، أو امتلاك احاديث سرية خاصة عن النبي الأكرم، أو حقه بممارسة التقية وكتمان بعض الأمور الدينية، والقاء الاختلاف بين الشيعة، أو التورية في  التعبير عن بعض الأحكام، وتصبح كل هذه الأسباب غير معقولة ولا جائزة ولا شرعية، ويبقى التفسير الوحيد هو الاجتهاد، والنسيان.


    يقول العالم الرجالي الشيعي الكشي: في ترجمة (عمر بن رباح) : ” قيل: إنه كان أولا يقول بامامة أبي جعفر عليه السلام ثم إنه فارق هذا القول وخالف أصحابه مع عدة يسيرة تابعوه على ضلالته، فإنه زعم أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها بجواب ثم عاد إليه في عام آخر وزعم أنه سأله عن تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر عليه السلام: هذا بخلاف ما أجبتني في هذه المسألة عامك الماضي، فذكر أنه قال له: إن جوابنا خرج على وجه التقية.

فشك في أمره وإمامته، فلقى رجلا من أصحاب أبي جعفر عليه السلام يقال له: محمد بن قيس فقال: إني سألت أبا جعفر عليه السلام عن مسئلتي فأجابني فيها بجواب ثم سألت عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلاف الجواب الأول فقلت له: لم فعلت ذلك؟ قال: فعلته للتقية، وقد علم الله أنني ما سألته إلا وإني صحيح العزم على التدين بما يفتيني فيه، وقبوله والعمل به، ولا وجه لاتقائه إياي، وهذه حاله.

رجال الكشي ص 205

البداء

واضافة الى سبب الاختلاف  ذلك ،  يأتي أيضا “البداء” الذي حدث بعد إشارة  الامام جعفر الصادق إلى ابنه إسماعيل كخليفة مرتقب من بعده، وقد توفاه الله تعالى في حياته. فقال الامام الصادق :” لقد بدا لله في إسماعيل” ولكن قسما من الشيعة   رفض الاعتراف بـ (البداء) و أنكر وفاة إسماعيل وزعم بأن عملية دفنه كانت مسرحية أعدها الصادق للتقية. وأصر هؤلاء على نقل الإمامة بعد الصادق إلى ذرية إسماعيل، ثم شكلوا الفرقة “الإسماعيلية”. بينما قام بعض الإمامية بزعامة (سليمان بن جرير الرقي) بمراجعة موقفهم من نظرية “الإمامة الإلهية” وأعلنوا كفرهم بها. وذلك – حسبما يقول النوبختي – : “انهم لما أشار جعفر إلى إمامة ابنه إسماعيل، ثم مات إسماعيل في حياة أبيه، رجعوا عن إمامة جعفر، وقالوا كذبنا، ولم يكن إماما، لأن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون، وحكموا على جعفر أنه قال: إن الله عز وجل بدا له في إمامة إسماعيل، فأنكروا البداء والمشيئة من الله، وقالوا هذا باطل لا يجوز. ومالوا إلى  مقالة البترية ومقالة سليمان بن جرير، وهو الذي قال لأصحابه بهذا السبب أن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبدا، وهما القول بالبداء وإجازة التقية، فأما البداء فان أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون والإخبار بما يكون في غد، وقالوا لشيعتهم أنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فان جاء ذلك الشيء على ما قالوه، قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون فنحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت بها الأنبياء عن الله ما علمت، وان لم يكن ذلك الشيء الذي قالوا انه يكون على ما قالوا، قالوا لشيعتهم بدا لله في ذلك بكونه، وأما التقية فانه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين فأجابوا فيها وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودونوه ولم يحفظ أئمتهم تلك الأجوبة لتقادم العهد وتفاوت الأوقات لأن مسائلهم لم ترد في يوم واحد ولا في شهر واحد بل في سنين متباعدة وأشهر متباينة، وأوقات متفرقة فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة عدة أجوبة مختلفة متضادة وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة، فلما وقفوا على ذلك منهم ردوا إليها هذا الاختلاف والتخليط في جواباتهم وسألوهم عنه وأنكروه عليهم، فقالوا: من أين هذا الاختلاف وكيف جاز ذلك قالت لهم أئمتهم: “إنما أجبنا بهذا للتقية، ولنا أن نجيب بما أجبنا وكيف شئنا لأن ذلك الينا ونحن نعلم بما يصلحكم وما فيه بقاؤنا وبقاؤكم وكف عدوكم عنا وعنكم” فمتى يظهر من هؤلاء على كذب؟ ومتى يعرف لهم حق من باطل؟ فمال إلى سليمان بن جرير هذا لهذا القول جماعة من أصحاب أبي جعفر وتركوا القول بإمامة جعفر”.

– النوبختي،  فرق الشيعة،  ص 63 – 66 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *