لماذا رفض السيستاني نظرية الشورى، ثم آمن بالديمقراطية؟

Uncategorized

لماذا رفض السيستاني نظرية الشورى، ثم آمن بالديمقراطية؟

بحث السيد  علي السيستاني موضوع الشورى في كتابه الأصولي (الرافد في علم الأصول) المنشور عام ١٩٩٤ ورفضها، مستدلا بآية ( قال اني جاعلك للناس إماما، قال : ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين) التي أجاب فيها الله تعالى  طلب نبيه إبراهيم، وفسر الآية كما يفسرها علماء الامامية منذ أكثر من الف عام، حيث يقولون بأن الظالم (سابقا وحاليا ولاحقا) أي في جميع الأوقات لا يمكن ان يكون اماما، وبالتالي يشترطون العصمة في الامام في جميع الأحوال من البداية الى النهاية، ولما كانت العصمة أمرا باطنيا غير معروف في الظاهر، فقد قال الامامية بأن الله تعالى يجب ان يعين الامام، وليس الناس الذين لا يعرفون (المعصوم)  من غير غير المعصوم، وابطلوا بذلك نظرية الشورى وقالوا بالنص.

  وقد ميز المتكلمون المسلمون بين  امامة النبي إبراهيم التي تعني القدوة وامامة الحكم ما بعد الرسول الأعظم (ص) وقالوا ان الله  تعالى لم يتحدث عن الامامة المطلقة، وانما عن النبوة، واذا كنا نفهم من كلمة (الامامة) الحكم بين الناس فيمكن ان نفهم من الآية ان الله تعالى  لا يرضى بامامة الظالم، أو الكافر والمشرك باعتبار الشرك ظلما عظيما، وان الصحابة الذين كانوا مشركين سابقين ثم وحدوا الله تعالى بعد ايمانهم برسالة النبي محمد (ص) لم يعودوا ظالمين، ولا تشملهم الآية، بل يمكن أن يصبحوا أئمة، ولكن ليس بالجعل من الله وانما من خلال الشورى.

   وقد استعرض السيد السيستاني في بحثه الأصولي عن (المشتق: الظالم) فقال:

” في تحليل معنى (الآية: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏) : استدل علماء الامامية بهذه الآية على اعتبار العصمة في الامام (عليه السلام) تبعا لبعض النصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) كما يظهر من (تفسير البرهان‏ ( ). و خلاصة الاستدلال: أن الآية تنفي لياقة الظالم بمنصب الامامة، سواء كان ظالما فعلا أم كان ظالما سابقا، و لازم ذلك اعتبار العصمة في منصب الإمامة، إذ لا واسطة بين الظلم و بين العصمة فانتفاء الظلم مستلزم لثبوت العصمة، و إن كانت العصمة ذات مراتب تشكيكية كسائر الملكات الأخرى مثل الشجاعة و الكرم، و أدنى مراتبها انتفاء الظلم ظاهرا و باطنا سابقا و فعلا.

 ايراد الفخر الرازى على الاستدلال بالآية و الجواب عليه‏ 

و أورد على ذلك الفخر الرازي بأن الاستدلال بالآية على عدم لياقة الظالم بالفعل بمنصب الامامة واضح، و لكن الاستدلال بها على عدم لياقة الظالم سابقا بمنصب الامامة لا يتم إلّا على القول بوضع المشتق للأعم و هو قول خلاف المشهور، فبناء على الصحيح من وضع المشتق للأخص تختص الآية بنفي اللياقة عن الظالم الفعلي دون غيره، فلا يتم الاستدلال بها على العصمة .

و الجواب عن هذا الايراد: إن الاستدلال بالآية على نفي لياقة غير المعصوم بالامامة تام و إن قلنا بوضع المشتق للأخص، و تماميته بوجهين:

أ- إن مناسبة الحكم للموضوع قرينة عرفية ارتكازية تقتضي كفاية حدوث الظلم و لو آناً ما باطنا أو ظاهرا لعدم تقلد منصب الامامة الذي هو أعلى منصب في الاسلام، و يؤيد ذلك الارتكاز العقلائي فإن كثيرا من الدول تمنع من تقلد بعض المناصب المهمة من قبل من كانت له سابقة مخلة بالشرف، و النصوص الشرعية ترشد لذلك أيضا، ففي حسنة زرارة عن الباقر (عليه السلام): “لا يصلين أحدكم خلف المجذوم و الأبرص و المجنون و المحدود و ولد الزنا و الأعرابي لا يؤم المهاجرين”.

فإذا كانت إمامة الجماعة منصبا لا يليق به من له سابقة سيئة فكيف بأعظم منصب في الإسلام، فتكون الآية بناء على هذه القرينة شاملة للظالم سابقا و الظالم فعلا و دالة على اعتبار العصمة في الامامة، سواء قلنا بأن مبدأ الظلم أخذ على نحو المضي و الحدوث فالاطلاق حقيقي حينئذ، أو قلنا بأن المبدأ أخذ على نحو الفعلية مع لحاظ حال الجري و النسبة فالاطلاق مجازي بناء على الوضع للأخص، إذن فكون الاطلاق في الآية حقيقيا أم مجازيا لا ينافي الاستدلال بها على اعتبار العصمة.

ب- ما نقل عن بعض الأعلام، و حاصله: أن مطلوب إبراهيم (عليه السلام) لا يخلو من أربعة وجوه:

١- طلب الامامة للظالم فعلا.

٢- طلب الامامة للظالم مستقبلا.

٣- طلب الامامة للظالم سابقا.

٤- طلب الامامة لمن لم يظلم أصلا.

لا يمكن أن يكون مطلوبه الوجه الأول و الثاني، لأن إبراهيم (عليه السلام) عاقل عارف بأهمية منصب الامامة فكيف يطلب تقليده للظالم بالفعل أو في المستقبل، فإن ذلك تعريض بمنصب الإمامة للضياع و الخطر.

و لا يمكن أن يكون مطلوبه خصوص الوجه الرابع و هو من لم يظلم أصلا، باعتبار نفي الآية اعطاء المنصب للظالم و لو لا شمول طلبه للظالم لما نفته الآية المباركة، فتعين أن يكون مطلوبه اعطاء الامامة للعادل فعلا سواء صدر منه ظلم في السابق أم لا، فلما جاء التصريح الالهي بنفي لياقة الظالم بمنصب‏ الامامة عرف أن المراد بالظالم المنفي هو الظالم سابقا فقط و بقية الوجوه خارجة موضوعا كما ذكرنا، فتتم دلالة الآية حينئذ على اعتبار العصمة في الامام، سواء كان الاطلاق فيها حقيقيا بلحاظ حال التلبس أو مجازيا بلحاظ حال الجري و النسبة.

و إذا ثبت دلالة الآية على اعتبار العصمة و انتفاء الظلم سابقا و لاحقا و ظاهرا و باطنا في الامامة دلت على كون الامامة بالنص لا بالشورى، و ذلك من وجهين:

أ- نسبة جعل الامامة للّه جل و علا في الآية المباركة، حيث قال: “إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ”  و لو كانت بالشورى لا بالجعل الالهي لما نسبها اللّه لنفسه في الآية.

و لكن قد يقال بأن هذا الجعل جعل خاص صادر على نحو القضية الخارجية، أي أنه خاص بشخصية إبراهيم (عليه السلام) أو بالأنبياء عموما، و لا دليل على كونه عاما لكل إمامة على نحو القضية الحقيقية.

ب- إن الآية تدل باللزوم العقلي على اعتبار النص في الامامة، باعتبار أن الآية لما دلت على اعتبار العصمة أي لزوم انتفاء الظلم ظاهره و باطنه و سابقه و لاحقه في الامام، و ذلك أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه من قبل البشر المنتخبين للإمام دلت على كون الامامة بالنص، لأنه لو كانت الامامة بالانتخاب و الشورى فهذا يعني اشتراط أمر خفي في الإمامة مع إيكال تشخيص توفّره إلى من لا يمكنه التشخيص، و هو جمع بين المتنافيين.

فالنتيجة: أن دلالة الآية على اعتبار العصمة في الامام مستلزم لاعتبار النص فيه أيضا.

ص ٢٦٤-٢٦٦ الرافد في علم الأصول

ولكن السيد  السيستاني لم يبحث موضوع الامامة الإلهية لأئمة أهل البيت بشكل مفصل ومتكامل في أي من كتبه الأخرى، ولم يبين الدليل على امامة الأئمة الاثني عشر، كما لم يبحث وجود الامام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسكري) وولادته التي اختلف حولها  أهل البيت وعامة الشيعة وعامة المسلمين، ولم تثبت بأي دليل تاريخي معتبر، وانما بمجرد الافتراضات الفلسفية الكلامية، 

ومن  المعروف ان الشيعة الامامية الاثني عشرية، ظلوا يجادلون  أكثر من الف عام حول اشتراط العصمة في الامام بمعنى الرئيس،  وحرموا إقامة الدولة في (عصر الغيبة)  ثم قالوا بجواز إقامة الدولة تحت (ولاية الفقيه). ولكن السيد السيستاني ظل متشبثا بالفكر الامامي القديم حتى بعد اكثر من عشر سنين من إقامة الجمهورية الإسلامية الإيرانية،  الا انه قام بعد سقوط نظام صدام حسين بتأييد النظام الديمقراطي ودعا الى انتخابات المجلس التأسيسي الدستوري، والمشاركة بكل قوة في انتخاب امام بدون اشتراط العصمة والنص  والسلالة العلوية الحسينية.

   وهو ما ترك الناس في حيرة من أمره: هل لا يزال يؤمن بنظرية الامامة الإلهية القائمة على العصمة والنص والسلالة العلوية؟ أم تخلى عنها تماما وآمن بنقيضها: الشورى أو الديمقراطية؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *