| الشيعة من الحجتية الى الخمينية هل جسد الخميني فكرة (الامام المهدي)؟ امتزجت نظرية (المهدي المنتظر) عند الشيعة الامامية الاثني عشرية بنظرية (الامامة الإلهية) الخاصة التي يؤمنون بها ، حيث قالوا بأن المهدي هو (الامام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري) الذي افترضوا ولادته ووجوده في منتصف القرن الثالث الهجري. ولما كانوا يشترطون في الامام ، أي إمام، ان يكون معصوما ومنصوصا عليه من قبل الله تعالى ، فقد حرموا اتباع أي إمام آخر لا تتوفر فيه الشروط السابقة ، وهكذا حرموا اقامة الدولة الإسلامية في عصر ( غيبة الامام الثاني عشر المهدي المنتظر) وانتظروا خروجه لقرون طويلة. ونتيجة الغيبة الطويلة غير المتوقعة التي امتدت اكثر من الف عام ، نشأت لديهم نظريات التفافية على موضوع (المهدي) الذي لم يخرج ، ومحاولات للخروج من حالة الغيبة اللاطبيعية التي دخل الشيعة فيها. وكانت نظرية (النيابة العامة للفقهاء عن الامام المهدي) إحدى تلك النظريات التي نشأت في القرون الأخيرة ، وخاصة في العهد الصفوي في إيران ، حيث أخذ بعض الفقهاء كالشيخ علي عبد العالي الكركي يفرض سيادته الدستورية على ملوك إيران باسم (النيابة العامة) ويعطيهم إجازات للحكم بالوكالة عنه. الحركة الشيخية ولكن الشيعة الامامية لم يكونوا كلهم مجمعين على شرعية الاجتهاد وجوازه ، وكان بعضهم يميل الى المدرسة الأخبارية التي كانت تخوض معارك طاحنة مع الأصوليين وتحاول في نفس الوقت السيطرة على الملوك الإيرانيين ، ولهذا كانت ترفض نظرية (النيابة العامة للفقهاء) لأنها لم تكن تؤمن بجواز الاجتهاد أساسا. واشتهر من الأخباريين زعيم لهم يدعى الشيخ احمد الأحسائي ( ولد سنة 1753 وتوفي سنة 1826) ثم تلميذ له اسمه السيد كاظم الرشتي ( توفي سنة 1843) و كان الشيخ احمد الأحسائي يحل مشكلة الإجابة عن المسائل الحادثة الجديدة بادعاء رؤية الأئمة في المنام وسؤالهم عنها ، وكانت لديه أيضا رؤية خاصة عن الامام المهدي وغيبته وعمره الطويل تختلف عن الرؤية المتعارفة لدى الشيعة ، حيث كان يقول ان المهدي يعيش في حالة (هورقليائية) أي روحية لطيفة ، وليس مادة جسدية عادية ، وكان يبشر بقرب ظهور المهدي. وبعد وفاته عرف اتباعه باسم الشيخيين الذين تمركز زعيمهم السيد كاظم الرشتي في كربلاء في العراق ، والذين استمروا يبشرون بقرب ظهور المهدي. البهائية وبينما كان المجتهدون الأصوليون يطورون نظرية المرجعية الدينية وولاية الفقيه على يد الشيخ احمد النراقي في بداية القرن التاسع عشر ، اتجه الشيخيون نحو تطوير نظرية المهدي ، وقال قسم منهم بعد وفاة الرشتي سنة 1843 ان روح المهدي الهورقليائية حلت في (علي بن محمد الباب) الذي كان يعيش في مدينة شيراز من بلاد فارس ، وانه هو المهدي المنتظر. وسرعان ما امتدت الحركة البابية (اتباع علي بن محمد الباب) الى أرجاء واسعة من إيران والعراق حتى قام الشاه الايراني ناصر الدين شاه بإلقاء القبض على (الباب) واعدمه في تبريز في 9 تموز 1850 ، ولكن ذلك أدى الى تطرف جناح انشق عن الحركة عرف بالبهائية ، وهؤلاء قالوا بنسخ الشريعة الإسلامية وكانت على رأسهم امرأة من قزوين اسمها (قرة العين) وهي من عائلة البرغانية وكانت تعيش لفترات في كربلاء والكاظمية وبغداد ، ثم القي القبض عليها في إيران مع البهائيين واعدمت . أصبحت الحركة البهائية التي قالت بظهور المهدي (علي بن محمد الباب) دينا جديدا خارجا عن الإسلام والتشيع ، ورغم الملاحقة الشديدة لأعضائها والفتاوى المضادة لها الا انها لم تنقرض واستمرت في عهد الشاه رضا بهلوي وابنه محمد رضا اللذين عادا رجال الدين الشيعة وحاولا التمرد على سلطانهم ، ولا يزال لها اتباع يتخذون من حيفا وعكا في اسرائيل مقرا رئيسيا لهم ، ولكنها ممنوعة في ايران. الحركة الحجتية أثارت هذه الحركة رد فعل عنيف في الأوساط الشيعية التقليدية ، وكان أقوى رد هو قيام الشيخ محمود الحلبي الذي كان يتخذ من مدينة مشهد في خراسان مقرا له ، بتأسيس (الجمعية الخيرية الحجتية المهدوية) سنة ١٩٥٣ ويأتي اسم (الحجتية) من النسبة الى (الحجة بن الحسن ) وهو أحد الأسماء الرمزية للامام المهدي ، وكانت هذه الحركة تنفي ظهور المهدي في القرن الماضي ، او بالأحرى تنفي صفة المهدوية عن ( علي بن محمد الباب) وتدعو الى انتظار ظهور المهدي في المستقبل ، ومن هنا كانت تحارب (البهائية) بشدة وتقاومها في كل مكان وخاصة في صفوف الجيش الإيراني وفي أوساط المثقفين ، ولكنها لم تكن تتعرض بالنقد والمعارضة لنظام الشاه ، لأنها لم تكن تعتقد بجواز العمل الثوري بالنيابة عن الامام المهدي الذي كانت تدعوه وتنتظره للقيام بذلك. ولهذا فقد سمح لها الشاه بالتحرك والتنظيم حتى في صفوف الجيش لأنها كانت حركة ثقافية غير سياسية ، وقد دعم الامام الخميني هذه الحركة (الحجتية) في البداية، ولكنه سرعان ما اكتشف حقيقتها ودورها السلبي في خدمة النظام الشاهنشاهي فسحب تأييده لها وحسبما تقول وثيقة منشورة في كتاب (صحيفة الإمام، ج2، ص: 282-283) ان مجموعة من مقلدي الامام الخميني استفتوه وطلبوا منه اعطاء الاجازة لتسليم الحلبي الحقوق الشرعية (اموال الخمس والزكاة): سماحة آية الله العظمى السيد الحاج روح الله الخميني- دام ظله العالي.السلام عليكم. ربما يتذكر سماحتكم ان مجموعة من المتدينين قاموا منذ عدة سنوات وتحت قيادة حجة الاسلام السيد الحاج الشيخ محمود حلبي بتنظيم جلسات منتظمة لمكافحة البهائية ذات الاهداف الزائفة، وتم خلال تلك الجلسات طرح موضوعات تثقيفية تعرف الحاضرين بالمقام السامي لحضرة ولي العصر- ارواحنا وارواح العالمين له الفداء- وقد توسعت تلك الجلسات مؤخراً لتشمل طهران واصفهان ومشهد وشيراز وسائر المراكز المهمة مما ادى خلال هذه المدة، ونتيجة الرعاية الخاصة لحضرة بقية الله الاعظم امام الزمان- صلوات الله وسلامه عليه- الى هداية ما يقرب من 500 شخص من اعضاء الفرقة البهائية الضالة الى صراط التوحيد المستقيم وعودتهم الى الديانة الاسلامية المقدسة وانقاذ عدد آخر من الذين كانوا على وشك السقوط في احضان هذه الفرقة الضالة.عليه نرجو من سماحتكم اولًا: ابداء رأيكم المبارك فيما يتعلق بهذه المجموعة. وثانياً: كيف يكون التعاون مع تلك الثلة وتقوية نشاطها؟ ثالثاً: هل يمكن في حالة اللزوم انفاق الحقوق الشرعية في هذا السبيل؟ يرجى ابداء رأيكم بشكل صريح والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. واجابهم الامام الخميني بما يلي:باسمه تعالى على الفرض المشار اليه فان ما قام به هؤلاء النفر يقع موقع التقدير ورضا الله تعالى. كما ان التعاون والتنسيق معهم سيكون موقع رضا ولي العصر (عجل الله فرجه). كذلك فان المؤمنين مجازون باعطائهم الحقوق الشرعية من قبيل الزكوات وغيرها وفي حالة الضرورة فانهم مجازون باعطائهم ثلث السهم المبارك للامام (عليه السلام). وطبيعي يجب ان يكون ذلك تحت نظارة واشراف اشخاص متدينين واذا امكن لحضرة المستطاب حجة الاسلام السيد حلبي- دامت بركاته- ان يكون مشرفاً على اعطاء الحقوق الشرعية. اسأل الله تعالى لهم التوفيق. ٥ شهر شعبان المعظم ١٣٩٠ روح الله الموسوي الخميني الخمينية ولكن الامام الخميني الذي كان يؤمن بولاية الفقيه ويدعو الى الثورة واقامة الحكومة الإسلامية في (عصر الغيبة) سرعان ما اكتشف حقيقة الحجتية ودورها في خدمة النظام الشاهنشاهي ورأى فيها حجر عثرة أمام مشروعه الثوري ومخدرا للطاقات المؤمنة، فشن ضدها حملات عنيفة عندما كان في النجف الأشرف ، و اقدم لاحقاً على الغاء التوكيل الذي اصدره اعلاه. ففي عام 1971 كتب الامام الخميني رسالة جوابية الى السيد كرامي الذي استفتى سماحته عن رأيه فيما يتعلق بتجمع الحجتية ومؤسسها، يقول” فيما يخص الشخص الذي كتبتم تسألون عنه، فان جلساته على ما يبدو مضرة وانا ومنذ ان علمت بذلك لم ادعمه وان شاء الله لن اقوم بذلك مستقبلا”. وفي مقابلة حول تجمع الحجتية والغاء الامام الخميني التوكيل الذي منحهم اياها لاستلام الحقوق الشرعية، قال الشيخ اكبر هاشمي رفسنجاني:” احد التيارات الاخرى التي ظهرت تمثل في تجمع الحجتية التي فكرت قبل سنوات عديدة بالمبادرة الى مكافحة البهائية وشكلوا حركة لذلك وكان عملهم ينصب على التعرف على البهائيين وشجبهم والحيلولة دون تمكنهم من استمالة المسلمين اليهم. وبشكل عام فان النظام الشاهنشاهي كان يروقه مثل هذا العمل لان مثل هذه الاعمال لاتتصادم مع نظامه بشكل مباشر، كما أن حركة الحجتية امرت اتباعها بعدم التدخل بالامور السياسية وحرمت الجهاد. لذا لم يضيق النظام الخناق عليهم وكانوا يعقدون جلسات ويجمعون الشبان المسلمين ويدرسونهم دورات في اصول العقائد ولان هذه الحركة كانت لاتؤمن بالجهاد وتجذب اليها عدداً من القوة المجاهدة فاننا كنا نعارضها. وانتقادنا الاساسي لهذه الحركة كان يتمحور حول انها تقوم باستمالة عدد من الشبان وقد التف حولها في كثير من الاماكن عدد من المجاهدين مما ادى الى خلو ميدان الجهاد. وفكّرنا نحن بان العمل الاساسي لنا في تلك المرحلة هو الجهاد في مواجهة النظام الشاهنشاهي، كما عمل تلك الحركة كان بالنسبة لنا نوعاً من تخدير الشبان لذا كان هناك نوع من التصادم بين تلك الحركة واتباع خط الامام الخميني حتى ان سماحته كان قد اعطاهم توكيل بانفاق جزء من سهم الامام ولكنه بعد ان وصل الامر بالحركة الى الحد الذي اشرت اليه عاد الامام وسحب ذلك التوكيل منهم وهم طبعاً توجهوا حينها نحو السيد الخوئي. لقد كان “الحجتية” في واقع الأمر يستمدون أفكارهم من التراث الشيعي القديم الذي يشترط قيام الامام المعصوم المعين من قبل الله والمتمثل في الامام محمد بن الحسن العسكري ، لاقامة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية ، ويتداولون الحديث المشهور (كل راية ترفع قبل راية المهدي فهي راية ضلالة وصاحبها طاغوت). ولكن زعيم الحجتية الشيخ محمود الحلبي قام بعد انتصار الثورة الاسلامية سنة ١٩٧٩ بتهنئة الامام الخميني واعتبر انتصار الثورة تمهيدا لخروج الامام المهدي ومقدمة له ،و أعرب عن وضع جميع كوادر حركته في خدمة الثورة ، وخاصة العسكريين منهم ، فقبل الامام الخميني ذلك بشرط ان يحل تنظيمه ، وكان اتباعه من العناصر المهمة التي ساهمت بتعزيز أركان النظام الإسلامي الجديد وعلى رأسهم الجنرال قرني رئيس الأركان الأول في عهد الثورة ، والدكتور على اكبر ولايتي وزير الخارجية الأسبق ومستشار القائد حاليا والدكتور برورش وزير التربية الأسبق وآخرون. منظمة الفرقان الا ان جناحا آخر من الحجتية رفض قيام الجمهورية الاسلامية واعتبرها عقبة امام ظهور الامام المهدي، ويقال ان غودرزي قائد منظمة (الفرقان) التي اغتالت الجنرال قرني والمفكر الايراني الثوري الشيخ مرتضى مطهري، والشيخ باهنر، وحاولت اغتيال الشيخ رفسنجاني في الأيام الأولى من الثورة، كان ينتمي الى الحجتية وعبر عن موقفها الرافض لقيام الجمهورية الاسلامية. وكان (الحجتية) يتميزون بإطلاق الشعار التالي (الهي الهي احفظ لنا الخميني حتى ظهور المهدي) الذي كانوا يهتفون به عقب كل صلاة وفي المحافل العامة ، كما كانوا يركزون بشكل ملفت على إحياء ذكرى ” ولادة” (الامام المهدي محمد بن الحسن العسكري) في منتصف شعبان من كل عام ، حيث يقيمون احتفالات كبرى ويزينون المساجد ويوزعون الحلوى ، بشكل لا يوجد له نظير في ايران. وكانوا يصرون على تسمية الخميني بنائب الامام (المهدي) ويرفضون إطلاق لقب (الامام) عليه لأنه من اختصاص الامام المهدي. وقد عبرت الحجتية عن سياستها ومواقفها الجديدة بتعديل ميثاقها، الذي اصبح بعد التعديل كما يلي: “إن الجمعية رغبة في استمرار نظام الجمهورية الإسلامية حتى ظهور المهدي المنتظر أرواحنا فداه نجد من واجبنا أن نقوم بأي خدمة في المجالات السياسية والاجتماعية اتباعاً لتوجيهات الزعيم العالي القدر، حيث يستطيع أفراد الجمعية الاشتراك في أي نشاط إعلامي أو سياسي أو عسكري أو اجتماعي، تحت إشراف أو موافقة مراجع الشيعة العظام”. توفي الشيخ محمود الحلبي عام1997م عن 80 عاماً ولكن أفكاره لم تنقرض تماما ، رغم مضي عشرين عاما على قيام الثورة وخاصة لدى شرائح من المتدينين الذين ينظرون بسلبية واحباط الى نتائج الثورة ، مما جعلهم يعيدون النظر في حركة الامام الخميني ويعتقدون باستحالة نجاح اية ثورة في (عصر الغيبة) ويدعون الى انتظار المهدي لكي يقيم الدولة الإسلامية الصحيحة. وقد أعلن في عام ١٩٩٨عن اعتقال مجموعة من عناصر الحرس الثوري الإسلامي ممن قاتلوا في الحرب العراقية الإيرانية ، بتهمة تشكيل تنظيم سري باسم (المهدويين) بزعامة السيد محمد الميلاني ، وقيل ان هذا التنظيم لا يؤمن بولاية الفقيه. وربما لا يزال بعض فلول الحجتية هنا وهناك ينظرون الى التجربة الايرانية كحالة مؤقتة قبل ظهور الامام المهدي. ولا يعترفون بصورة كاملة بشرعية النظام الجمهوري الاسلامي كما لا يؤمنون بالطبع بالنظام الديمقراطي وحكومة الشعب وصناديق الاقتراع، ويحاولون الغاء منصب رئيس الجمهورية ومجلس الشورى ويقال ان مجموعة من رجال الدين المتشددين كالشيخ مصباح يزدي والشيخ أحمد جنتي والشيخ خزعلي يمثلون هذا الاتجاه وانهم يرتبطون ثقافيا بتيار الحجتية أحمدي نجاد والحجتية ولا زلنا نتذكر الرئيس السابق أحمدي نجاد، واحاديثه الملفتة عن الإمام الغائب، وعودته، وضرورة تهيئة الأوضاع انتظاراً لمجيئه، فقد وجه عقب انتخابه في شهر يونيو / حزيران 2005، كلمة إلى الإيرانيين، بدأها بقوله: “اللهم عجل لوليك الفرج والعافية، والنصر واجعلنا من أعوانه وأنصاره”، واختتمها بالدعاء بأن يحظى ب “فضل الله المتعال، وعنايات حضرة ولي العصر”. كما قال في كلمة أمام خطباء الجمعة: “إن المهمة الرئيسية لثورتنا هي تمهيد الطريق لظهور الإمام المهدي الثاني عشر… لذلك يجب أن تكون إيران مجتمعاً قوياً متطوراً ونموذجاً إسلامياً”. و نقلت الصحف الإيرانية عنه قوله: “اليوم.. يجب أن نعرف سياساتنا الاقتصادية والسياسية استناداً إلى سياسة عودة الإمام المهدي”. واحتوى خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على مقتطفات حول الامام المهدي. كما قال لبعض رجال الدين المقربين منه بانه أحس بهالة من نور كانت تسطع فوق رأسه أثناء القاء خطابه في الأمم المتحدة واذا كانت الحجتية قد احتجبت عن الواجهة مدة من الزمن قلَّت فيها ظاهرة قراءة دعاء (الندبة) الذي هو من أدبياتها، لكن الحركة عادت إلى الواجهة من جديد في الأعوام الأخيرة وأخذت ظاهرة قراءة دعاء (الندبة) بالانتشار وأصبح هذا الدعاء يسوَّق في كل مكان. الآفاق الجديدة التي فتحتها الثورة ولكن اذا نظرنا الى التجربة الثورية الايرانية الاسلامية بعمق فسوف نجد أنها شكلت ثورة فكرية في الفكر السياسي الشيعي، وذلك بتفكيكها لنظرية الامامة الالهية الاثني عشرية وعدم التزامها بأي شرط من شروطها وهي العصمة والنص والسلالة العلوية الحسينية، وتجويزها بتولي اي مجتهد لقيادة الجمهورية الاسلامية، واعتمادها على مبدا الشورى والدستور والانتخابات والنظام الديمقراطي، وهو ما يعتبر بحق ثورة كبرى في الفكر الشيعي أكبر بكثير من الثورة السياسية على نظام الشاه الملكي، وقد فتحت هذه الثورة الباب واسعا أمام اعادة النظر في هوية (الامام المهدي) الذي قام الشيعة الامامية الاثنا عشرية بافتراض وجوده وولادته وبقائه على قيد الحياة منذ اكثر من الف عام، اعتمادا على نظرية الامامة الالهية، فاذا تم التحرر منها وتجاوزها فلن تعود أية ضرورة لافتراض وجود امام معصوم غائب من سلالة علي والحسين، ويغدو من الممكن اضفاء صفة (المهدوية) على أي امام ثائر يقاوم الظلم والجور ويعمل على نشر العدل والقسط، مما يسمح باطلاق صفة (الامام المهدي) على الامام الخميني، بصورة نسبية، كما كان الشيعة وعامة المسلمين يطلقونها في القرون الأولى على أي امام ثائر، ولم يكونوا يحددون (المهدي) بشخص معين وبات ايضا ممكنا اطلاق صفة (المهدوية) في المستقبل على أي قائد يقوم بمكافحة الظلم وارساء قواعد العدل في أي زمان أو مكان. ولم يعد من الواجب الايمان بفرضية ولادة ووجود ابن للامام الحسن العسكري في أواسط القرن الثالث الهجري، والقول بغيبته واستمرار بقائه على قيد الحياة الى اليوم واذا كان قول الحركة البهائية التي افترضت تقمص زعيمها علي بن محمد الباب لشخصية المهدي الغائب، مرفوضا، فان نجاح التجربة الايرانية بممارسة الامامة والقيادة والزعامة للشيعة الايرانيين اثبت امكانية تطوير نظرية الامامة الشيعية من كونها (إلهية قائمة على النص والعصمة) الى نظرية مدنية قائمة على العلم والاجتهاد والتقوى والعدالة والانفتاح العام على من تتوفر فيه شروط القيادة والمرجعية، اي عدم اشتراط السلالة العلوية الحسينية في الامام، وهي نظرية، في الحقيقة، أقرب الى الفكر السياسي الزيدي القديم، وحتى الى الفكر السياسي السني الأول، واذا كان الشيعة اليوم قد وصلوا الى هذه النقطة (اللاامامية) عمليا، فانهم لم يعودوا بحاجة الى افتراض وجود ولد للامام العسكري لم تتوفر لديهم أية أدلة تاريخية على ولادته ووجوده، وبالتالي يمكننا القول ان الامام الخميني كان اماما مهديا، وليس نائبا عاما عن الامام المهدي الغائب كما كان يفترض الحجتية. | |