– تأويل القرآن الكريم يعتمد الفكر الشيعي الامامي الاثنا عشري، في صياغة نظرياته المختلفة، على الأمور التالية:
1- القرآن الكريم
2- السنة النبوية
3- العقل
4- التاريخ
5- القياس
6- الاجتهاد
7- الافتراض
ومع ذلك فان حصيلته الفكرية تختلف عما يوجد عند عامة المسلمين، الذين يعتمدون أيضا على القرآن الكريم والسنة النبوية والعقل والاجتهاد، وذلك لأن الفكر الامامي يقوم بتأويل آيات من القرآن الكريم، لا تدل بظاهرها على نظرية الامامة الإلهية لأهل البيت، وانما بتأويل معين، لا يتفق معهم حوله بقية المسلمين. وكذلك فان الشيعة الامامية تعتمد على أحاديث نبوية هي محل خلاف على صحتها بينهم وبين بقية المسلمين. وهكذا في موضوع الاعتماد على العقل، يدعي الشيعة الامامية اعتمادهم على العقل في التأسيس لبعض النظريات والنظر الى بعض الأمور، ولكنه ليس محل اجماع بقية المسلمين الذين لا يستنتجون نفس الأفكار من استخدامهم للعقل. وأما القياس والاجتهاد والافتراض فهي أمور ضعيفة أوهى من الأسس القرآنية والنبوية والعقلية والتاريخية.ويكاد الفكر الشيعي الامامي المعاصر يتفق كثيرا مع مؤسسي نظرية الامامة في القرن الثاني الهجري، سواء في تأويل القرآن، أو رواية الأحاديث النبوية، أو ما درى في التاريخ الإسلامي، أو ممارستهم للعقل والقياس والاجتهاد والافتراض. وربما يزيد أو ينقص في بعض الأمور.1- القرآن الكريميحفل التراث الامامي القديم بروايات كثيرة عن تحريف القرآن، ولا سيما الحذف منه، وقد تبني الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان (توفي ٤١٣) مؤسس المذهب الاثني عشري، مقولة التحريف، ولكن مشايخ الطائفة المعاصرين له في القرن الرابع الهجري كاستاذه الشيخ الصدوق وتلامذته كالشريف المرتضى والشيخ الطوسي، ومن جاء بعدهم من فقهاء الشيعة الاثني عشرية عبر التاريخ، بصورة عامة، رفضوا تلك المقولة، وضعفوا الاحاديث الواردة عن الامام محمد بن علي الباقر (توفي ١١٤) وتبنوا مقولة عدم الزيادة والنقصان في القرآن.وقام أبو القاسم الخوئي (توفي ١٩٩٣) بتأويل روايات التحريف والحذف بأنها تعني التفسير المنزل للقرآن.وأما الشيخ جواد التبريزي، فقد التزم بموقف الشيعة الاثني عشرية العام القائل بعدم التحريف لا زيادة ولا نقصانا. فقال: “المشهور عند الشيعة، بل كاد يكون متفقا عليه عدم وقوع التحريف في القرآن المجيد، بمعنى الزيادة والنقصان،… نعم ورد في بعض الروايات الضعيفة سندا ما يظهر منها وقوع التحريف بمعنى النقص في القرآن الكريم، ولا يمكن الاعتماد عليها لضعفها وشذوذها، وهي لا تعبر عن معتقد الشيعة الامامية. اما التحريف بمعنى عدم العمل بالكتاب المجيد وهجره، فنحن نقول به، وهو واقع حتى في زماننا هذا”. ص ٢٢٤التبريزي الميرزا جواد، الانوار الإلهية في المسائل العقائدية ، دار الصديقة الشهيدة، لجنة ام البنين الخيرية الكويت، الطبعة الرابعة ١٤٢٥
ويؤكد هذا الموقف في مكان آخر من كتابه: “التحريف بمعنى عدم العمل بالقرآن ومخالفته وتأويله واقع ونقول به حتى في يومنا هذا، واما التحريف بمعنى الزيادة والنقصان ، فالمشهور عند الشيعة بل كاد يكون متفقا عليه عندهم عدم وقوعهما فيه”. ص ٢٢٦
وعندما يسأل الشيخ التبريزي: هل القرآن الحقيقي هو عند الامام الحجة؟ يرد بقوة فيقول: “هذا غير صحيح، انما الوارد هو انه بعد ظهوره يقرأ هذا القرآن في بعض الموارد على خلاف القراءة الفعلية، ويبين بعض الموارد التي فسرت على خلاف الواقع، ولو في التفاسير المشهورة”. ص ٢٢٧
ولكن الشيخ التبريزي، كسائر علماء الشيعة الامامية الاخباريين، يرفض قراءة القرآن وفهمه حسب الظاهر، ويشترط لفهمه الاستعانة بروايات الأئمة من أهل البيت، فيقول: ” لا يكفي الكتاب المجيد في استظهار الأحكام والعقائد بلا رجوع الى القرأئن الموجودة في الروايات المعتبرة المأثورة عنهم، كما ان القرآن قرينة ظاهرة على كذب بعض الأخبار المنسوبة للأئمة المنافية للكتاب المجيد المباينة لظواهره”. ص٢٢٧ويروي عن الامام علي بن موسى الرضا (توفي ٢٠٣) تفسير آية: “وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم” بما يفيد أن الأئمة هم (الراسخون في العلم)، وأنهم هم الذين يعلمون تأويل القرآن، لا غيرهم. ص ٣٥
ولكن الشيخ التبريزي لا يقدم أدلة مستقلة وكافية لهذا الأساس، وانما يقلد سلف الامامية، ويبني حجية قول الأئمة على ادعاءاتهم أنفسهم، وقراءتهم الخاصة للقرآن، حتى لو كانت خلاف الظاهر، مثل عطف (الراسخون في العلم) على جملة (وما يعلم تأويله الا الله). في حين كان ينبغي عليه أولا أن يثبت حجية تفسير أو قراءة أو تأويل الأئمة للقرآن في العقائد والاحكام، ثم يثبت صحة الاسناد وصدق الرواة الناقلين لأحاديثهم، وانما يعتبر هذا الأساس مسلمة لا نقاش فيها، فيفتح بذلك بابا واسعا وخطيرا على تأويل القرآن بصورة تعسفية، ويضيف عليه أبوابا أخرى من الغلو بأهل البيت بناء على القياس على بعض الآيات القرآنية، بتفسير أهل البيت، فيؤمن – مثلا – بـوجود “مصحف فاطمة” حيث يقول: “المراد بمصحف فاطمة ما ورد في الروايات المعتبرة في (الكافي) من “أن ملكا من الملائكة كان ينزل على الزهراء بعد وفاة ابيها ويسليها ويحدثها بما يكون من الأمور، وكان علي يكتب ذلك فسمي ما كتب “مصف فاطمة”. فهو ليس قرآنا كما توهمه أعداء الشيعة ولا كتابا مشتملا على الأحكام. ولا غرابة في حديث فاطمة مع الملائكة، فقد ذكر القرآن أن الملائكة حدثت مريم ابنة عمران “وإذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين” ومن المعلوم عندنا نحن الشيعة أفضلية الزهراء على مريم ابنة عمران، كما ورد في النصوص المعتبرة من ان مريم سيدة نساء عالمها وان فاطمة سيدة نساء العالمين”. – ص ١٥٥
وبالرغم من نفي التبريزي لاحتواء “مصحف فاطمة” على قرآن جديد إضافي، فان بعض الأحاديث الواردة في التراث الامامي تتضمن قراءات مختلفة للقرآن، علما بأن مجرد الايمان بنزول الملائكة على فاطمة الزهراء، يعتبر قولا مغاليا يخالف بديهيات الثقافة الإسلامية التي لا تعرف نزول الوحي بعد النبي محمد على أحد سواه، ولم يثبت ذلك في التاريخ الا حسب روايات واردة عن الامام محمد الباقر، بناء على قياس تعسفي ودعوى بلا دليل بأن فاطمة أفضل من السيدة مريم التي خاطبتها الملائكة مباشرة، والأخطر من ذلك ان هذه الدعوى ستفتح الباب أيضا أمام دعوى نزول الملائكة من بعد على الأئمة من أهل البيت، الذين سيصبح حديثهم مقدسا ومشابها للوحي النبوي، ومصدرا من مصادر التشريع في الإسلام، بل سيذهب بعض الفقهاء الامامية المعاصرين الى نسخ الأئمة للقرآن وللسنة النبوية. كما قال المرجع السيد علي السيستاني. في كتابه (الرافد في علم الأصول) ص ٢٧